٢ - ليس هناك (كما قلنا في كتابنا غزوة مؤتة) ديوان إحصاء للجند يسجل فيه المنخرطون في سلك الجيش بحيث يمكن الرجوع إلى هذا السجل لعرفة عدد وأسماء الشهداء فيسهل على المختصين بأخبار المغازي والسير وضع قوائم بأسماء هؤلاء الشهداء في مؤلفاتهم.
٣ - يؤلف أبناء البادية من مختلف القبائل الأغلبية في الجيش النبوي يوم حنين، وهؤلاء بعد معركة حنين وحصار الطائف تفرقوا راجعين إلى قمم الجبال وبطون الوديان في بواديهم المنتشرة في طول الجزيرة وعرضها، ولا شك أن كل عشيرة علمت بشهدائها، ولكن من الصعب على المختصين بتدوين أخبار المغازي والحروب في العهد النبوي، الحصول من هؤلاء البدو على عدد وأسماء الشهداء من أبناء هذه العشائر، لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الاهتمام بتدوين أخبار الحروب الإسلامية في العهد النبوي لم يكن من المؤرخين إلا في أواسط أواخر القرن الثاني الهجرى.
من هنا جاء تقديرنا واستنتاجنا بأن هناك للإسلام جنودًا كثيرين استشهدوا في معركة حنين لم يصل إلى علم المؤرخين الأوائل عددههم وأسماؤهم، وأكثرهم (علي الأرجح) من أبناء البادية الذين يمثلون أكثرية الجيش المحارب في حنين.
هذا كما قلنا (في تعقيبنا على شهداء غزوة مؤتة) مجرد استنتاج وتقييم جعلنا نبديها استساغتنا -بل والتزامنا- للقاعدة الفلسفية التاريخية التي وضعها فيلسوف التاريخ والاجتماع الأول الإِمام عبد الرحمن بن خلدون الكندى الحضرمي في مقدمته الذائعة الصيت، والقائلة: إن على المؤرخ الباحث أن لا يجمد على النصوص المتعلقة بالتاريخ، بل عليه (مع فحص النصوص) أن يقيم الأحداث ويزن الأمور بميزان العقل فيرفض تصديق ما لا يقبله العقل والوجدان (كقصة العبّاسة أخت الرشيد) كما عليه أن يستخرج الحقائق على ضوء الواقع التاريخي والتي قد لا تكون النصوص التاريخية المسطورة قد ذكرتها ولكنَّ سياق هذه النصوص تُستشف منه هذه الحقائق كالترجيح بأن عدد شهداء المسلمين في معركتى حنين ومؤتة أكثر مما أورده أصحاب المغازي في كتبهم رضي الله عنهم.