للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه وسلم وألقى على النعاس، فطفقت أستيقظ وقد دنت راحلتى من راحلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيفزعنى دنوها منه خشية أن أصيب رجله في الغرز، فطفقت أحوز راحلتى غلبتنى عيناى في بعض الطريق، ونحن في بعض الليل، فزاحمت راحلتى راحلته، ورجله في الغرز، فما استيقظت إلا بقوله: حس (بكسر الحاء) -كلمة تقولها العرب عند الألم- فقلت: يا رسول الله استغفر لي. فقال - صلى الله عليه وسلم -: سر، فجعل يسألنى عمن تخلف من بني غفار فأخبره بهم، وهو يسألنى ما فعل النفر الحمر النطانط (١)، فحدثته بتخلفهم. قال: فما فعل النفر السود القصار الجعاد الحلس (٢)، فقلت: يا رسول الله والله يا رسول الله ما أعرف هؤلاء. قال: بلى، الذين هم بشبكة شدخ (٣). قال: فتذكرتهم في بني غفار فلا أذكرهم، ذكرت أنهم رهط من أسلم كانوا فينا، وكانوا يحلّون بشبكة شدخ، لهم نعم كثير، فقلت: يا رسول الله، أولئك رهط من أسلم حلفاء لنا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما منع أحد أولئك حين تخلف أن يحمل بعيرًا من إبله رجلًا نشيطًا في سبيل الله ممن يخرج معنا؟ فيكون له مثل أجر الخارج، إن كان لمن أعز أهلى عليّ أن تخلف عنى المهاجرون من قريش والأنصار وغفار وأسلم (٤).

أدْرِكْ القوم فإنهم قد احترقوا:

كلمة قالها الرسول الذي لا ينطق عن الهوى - صلى الله عليه وسلم -، عندما بلغه ما فاه به المنافقون والجيش يتحرك نحو تبوك، فقد كانت (كما تقدم) عناصر من فئة عبد الله بن أبي المنافقين منخرطين في سلك الجيش النبوي، وقد واكبت هذه العناصر الجيش وكانت تحسب ضمن وحداته حتى عاد من تبوك.

هذه العناصر المشبوهة المدسوسة بين مختلف فصائل الجيش، كانت -والجيش في طريقه إلى تبوك- تقوم بدور السخرية بقادة المسلمين وفضلاء


(١) النطانط، جمع نطناط، وهو الطويل المديد القامة.
(٢) الحلس جمع أحلس وهو الذي لونه بين السواد والحمرة.
(٣) شبكة شدخ اسم مكان، وفي السهيلى بشبكة شرخ.
(٤) مغازي الواقدي ج ٣ ص ١٠٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>