للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال العصامي .. واشتغل المشركون بقتلى المسلمين يمثلون بهم، ويقطعون الآذان والأنوف والفروج ويبقرون البطون وهم يظنون أنهم أصابوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (١).

ولقد اغتنم الرسول - صلى الله عليه وسلم - فرصة تصديق بعض المشركين إشاعة مقتله فسارع بالارتداد نحو الجبل بمن معه من الصحابة الذين سارعوا إلى التجمع حوله.

وقد كان - صلى الله عليه وسلم - حريصًا على أن لا يعرف المشركون مكانه (حينذاك) ولا أدل على ذلك من أن كعب بن مالك (٢)، لما عرفه بعد إشاعة مقتله صاح بأعلى صوته، يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله، فأشار إليه - صلى الله عليه وسلم - بأن يسكت لئلا يزداد عدد الذين يعرفون مكانه من المشركين.

وبالرغم من أن المشركين سمعوا صيحة كعب بن مالك فإن أكثرهم لم يصدقها ظنًّا منهم أنها صيحة إنما أريد بها شد عزائم المسلمين الذين ألقى البعض منهم سلاحه لإشاعة مقتل النبي.

[انسحاب المسلمين ليس انسحاب المنهزم]

واصل الرسول - صلى الله عليه وسلم - انسحابه عبر الشعب نحو الجبل تحت حماية قوة منظمة من خلصاء أصحابه، وكان هذا الانسحاب ليس بانسحاب المنهزم الذي لا يلوى على شيء ولا يقاتل ساعة الانسحاب.

بل كان انسحاب الرسول هذا انسحابًا منظمًا جرى (في حالة استعداد وتعبئة وانتظام) من الذين قاموا به وأشرفوا على تنفيذه.

فقد ظل الذين قاموا بهذا الانسحاب المنظم (وعلى رأسهم الرسول القائد) يقاتلون بثبات وقوة أثناء قيامهم بهذا الانسحاب حتى وصلوا إلى المكان الذي حدده القائد الأعلى الرسول من الجبل للاعتصام به والتحصن فيه.


(١) سمط النجوم العوالي ج ٢ ص ٨٧.
(٢) تقدمت ترجمته في أول هذا الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>