للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحمل نفس الشعور والانطباع اللذين حملهما الجواسيس الثلاثة، فنصح القائد مالكًا، بأن يعود إلى ديارهم دون أن يلقى المسلمين، وإلا فإن الهزيمة ستكون من نصيبه ومن نصيب جيشه إن هو أصر على ملاقاة المسلمين.

ولكن الغرور حال بين مالك وبين أن يأخذ ويعمل بما في التقارير والنصائح التي قدمها رجال استخباراته عن جيش المسلمين، فأصر على مقاتلة المسلمين مهما كانت النتائج، وقد فعل، فنزلت به وبجيش هوازن تلك الهزيمة المنكرة التي كانت خاتمة الصراع الدامى بين الإِسلام والوثنية في جزيرة العرب.

قال الواقدي: وبعث مالك بن عوف رجالًا من هوازن ينظرون إلى محمد وأصحابه، ثلاثة نَفر، وأمرهم أن يتفرقوا في العسكر، فرجعوا إليه وقد تفرقت أوصالهم. فقال: ما شأنكم ويلكم؟ فقالوا: رأينا رجالًا بعضًا على خيل بلق، فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى. وقالوا له: ما نقاتل أهل الأرض إن نقاتل إلا أهل السموات -وإن أفئدة عيونه (أي جواسيسه) تخفق- وإن أطعتنا رجعت بقومك. فإن الناس إن رأوا ما رأينا أصابهم مثل الذي أصابنا.

قال: أفّ لكم بل أنتم قوم أجبن أهل العسكر. فحبسهم عنده فرقًا (أي خوفًا) أن يشيع الرعب في العسكر. وقال: دلونى على رجل شجاع، فخرج، ثم رجع إليه وقد أصابه نحو ما أصاب من قبله منهم، فقال: ما رأيت؟ قال رأيت رجالًا بيضًا على خيل بلق، ما يطاق النظر إليهم، فوالله ما تماسكت أن أصابني ما ترى. فلم يثنه ذلك عن وجهه (١).

[الاستخبارات النبوية في معسكر هوازن]

وعندما اقترب الرسول - صلى الله عليه وسلم - من وادي حنين الذي اتخذه مالك بن عوف معسكرًا لجيوش هوازن بعث بأحد أصحابه إلى معسكر هوازن ليقوم بمهمة جمع المعلومات اللازمة عن هذا الجيش، ويعرف كل ما يمكنه معرفته من أخباره.

وقد صدع رجل الاستخبارات الحربية النبوية فدخل (متنكرًا) إلى معسكر هوازن حيث تعسكر في حنين. رجال في جميع نواحيه حتى إنه وصل إلى مقر


(١) مغازي الواقدي ج ٣ ص ٨٩٢ - ٨٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>