ولم يكن الزعماءِ والوسطاءِ وغيرهم من المشركين الذين أَتاحت لهم قضية الحديبية - وبالتالي عقد الصلح - الاختلاط بالمسلمين ومعرفتهم على حقيقتهم، أَقل تأَثرًا من عروة بن مسعود بما لمسوا وشاهدوا من واقع المسلمين الحيّ المدهش، الذي انعقدت له أَلسنتهم دهشة وإِعجابًا.
لقد كان من طبيعة العرب الصراحة واستقباح الكذب - حتى وإِن كانوا مشركين. . ولهذا فقد نقل المشركون الذين زاروا المسلمين في الحديبية واختلطوا بهم وعاملوهم بعد إِبرام الصلح. . نقلوا إِلى الجمهور القرشي كامل انطباعاتهم عن حالة المسلمين ومجتمعهم الجديد، والذي بُنيَ على أَساس من التوحيد والذي رأَوا فيه نموذجًا حيًّا للخير والصفاءِ والمحبة والتسامح والتآلف والتكاتف وضبط هذا الدين الجديد لسلوكهم.
وأَشد ما أَدهشهم ذلك الضبط الإِداري العجيب، الذي يلتزمه المسلمون كجزءٍ أَساسي من تعاليم الدين الجديد .. هذا الضبط الذي بالتزامه خلعوا من نفوسهم عنجهية الجاهلية البغيضة، وعصبية القبلية الضيقة المقيتة، التي طالما كانت الاستجابة العاطفية لنزواتها سببًا في إِثارة حروب ظللة تأْكل الأَخضر واليابس.
لقد حلّ محل كل تلك الفوضى الجاهلية انضباط إِسلامي رائع عجيب مدهش، تكفي لتنفيذه والتقيّد به كلمة هادئة تصدر من محمد بن عبد الله، النبي الذي آمن وصدَّق به هؤلاءِ المسلمون واتبعوه - طائعين مختارين.