عشر ألفًا .. والمنهزم - (كما قال دريد بن الصمة لمالك بن عوف) لا يرده شيء.
وللخبير الحربي أن يتصور اثنى عشر ألف مقاتل بينهم أكثر من ألفين وأربعمائة فارس وعدة آلاف من الجمال ينطلقون من الميدان راجعين فارين على غير تعبئة ولا نظام، إنها الفوضى المخيفة المريعة، الناس يدوس بعضهم بعضًا وهم قوة هائلة انفرط عقدها وضاع نظامها، قوة هائلة منهزمة، خيلها وجمالها ومشاتها انهزمت جميعها ما عدا الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - وقلة من أصحابه لا يزيدون على المائة في أكبر تقدير. وهذه القوات المنهزمة من ورائها عشرون ألفًا من هوازن يطاردونها بأقصى قوة.
[الرسول يحاول إيقاف المنهزمين]
وقد حاول الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - إيقاف المنهزمين، وهو ثابت في الميدان، فناداهم بأن يثبتوا ويلتفوا حوله فلم يلتفت إليه أحد ولم يجبه أحد، بل يمكن أنه لم يسمع صوته أحد في تلك الساعات الرهيبة التي اختلط فيها الحابل بالنابل، حيث أصبح همّ كل واحد من الجند النجاة بنفسه، ولا يستبعد أن أكثر المنهزمين قد ظنوا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد قُتل أو انهزم، بدليل أنهم لما أفاقوا من صدمة الهزيمة وسمعوا صوت العباس بن عبد المطلب يُشعرهم بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حي ثابت مكانه يناشدهم الرجوع إلى ميدان الشرف تنادوا وأخبر بعضهم بعضًا ورجعوا إلى الميدان من جديد.
أما الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - فقد ثبت عند الهزيمة، وجرد سيفه ورمى غمده وأخذ حربته ليواجه الأعداء ثابتًا وحوله تلك القلة القليلة من صفوة أصحابه. وقد قاتل الرسول - صلى الله عليه وسلم - المشركين في تلك الساعات الحرجة ببسالة وشجاعة وثبات تليق بمقامه كنبي مرسل وقائد أعلى مسئول، وواجه جموع هوازن الهائلة تسانده تلك القلة الصابرة من أصحابه وهم مائة فقط. بينما تبلغ جيوش هوازن المتدفقة في الميدان عشرين ألفًا.
وليس يوم حنين هو اليوم العصيب الوحيد الذي يثبت فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما يفزع الناس أو يتعرضون لهزيمة. فقد كان الثبات عند الرّوع وتحرُّج