والواقع الذي يدل عليه سياق أصحاب المغازي والسير حميعًا أن يهود الشطر الثاني من مدينة خيبر قد تحصنوا في حصونهم واستعدُّوا لمقاتلة المسلمين وقاتلوهم وقد كانت مقاومة يهود الشطر الثاني من العناد والعنف إلى درجة عجز معها المسلمون عن اقتحام هذه الحصون بالرغم من استمرار الحصار الخانق عليها أكثر من نصف شهر.
الأمر الذي جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر بنصب آلات التدمير (المنجنيق) على هذه الحصون لتدميرها، وعندما نُصِبَتْ أيقن اليهود بالهلاك فبعثوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يطلبون المفاوضة على أساس التسليم، فتمت المفاوضة بين الفريقين على أن يستسلم اليهود مقابل حقن دمائهم وإعفاء نسائهم وذراريهم من السبى، وهذا (كما ستراه مفصلا إن ثاء الله) استسلام لا صلح، لأن هذا الاستسلام إنما جاء بعد حصار شديد وقتال عيف.
[القول الفصل]
ولعل القول الفصل الذي يزيل الالتباس الذي نشأ عند بعض المؤرخين من كون مزارع الكتيبة (الشطر الثاني من مدينة خيبر) لم يقسمها النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما رصدها لمصالح المسلمين هو ما أورده الإمام الواقدي من أن سبب ذلك أن أراضى الكتيبة كانت (عند قسمة أراضى خيبر بين المسلمين) الخمس الذي (بموجب قانون الغنائم في سورة الأنفال) يرصد لمصالح المسلمين، ومعنى هذا أن أراضى القسم الثاني من مدينة خيبر لم تكن فيئا غير مقسوم وإنما كانت غنيمة شملها التقسيم كسائر أراضى خيبر.
قال الواقدي (المغازي ج ٢ ص ٦٩٢): وحدثني قدامة بن موسى، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزام، قال: كتب إلى عمر بن عبد العزيز في خلافته أن افحص لي عن الكتيبة (أراضى القسم الثاني من