للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا أن دريدًا مع تقدمه في السن وعجزه (لكبره) عن القتال ظل متمتعًا بكامل قواه العقلية وكل حواسه (ما عدا السمع الذي كاد يفقده). وكان مرجعًا لقومه هوازن في السياسة العسكرية والفنون الحربية، بسبب تجاربه الحربية المتواصلة التي عاشها طوال مائة وعشرين عامًا في المجتمع القبلى الملتهب دائمًا بنار الحرب، فقد كان فارسًا مجربًا لا يشقّ له غبار، وشاعرًا مفكرًا فحلًا متوقد الذهن.

ومع عدم قدرته على القتال فقد أحب وأحب قومه أن يكون ضمن جيش هوازن الغازى، لعلهم يستفيدون من خبرته وتجاربه الحربيتين، فقد حمله الجيش على شجار (والشجار دون الهودج) وجعلوا له قائدًا يقود البعير الذي يحمله حتى عسكر الجيش بأوطاس.

[القائد العام المستبد لم يستفد من خبرة دريد بن الصمة]

ولم يشأ ملك هوازن وقائدها الشاب، مالك بن عوف النصرى أن يستفيد من خبرة دريد بن الصمة الحربية وتجاربه العسكرية التي اكتسبها طوال أكثر من قرن من الزمن قضاه وهو يخوض المعركة تلو المعركة حتى أقعده الكبر ..

فقد كان مالك بن عوف معتدا برأيه متكبرًا مستبدا، وكان شابًّا يافعًا في عنفوان الشباب، ورغم ما امتاز به من شجاعة وجرأة وإقدام، فقد سد الزهو والغرور والإعجاب بالنفس على مالك كل منافذ التفكير في نتائج ما هو مقدم عليه، وكأنه لغروره ولكونه يقود عشرين ألف محارب من خيرة محاربى العرب يصحبهم نساؤهم وأبناؤهم وأموالهم، ليس أمامهم سوى اثنى عشر ألف مقاتل ليس لهم خبرة بالقتال (كما أشاع بين قومه وخدعهم) .. كأنه بهذا قد ضمن النصر لهوازن على المسلمين.

ولهذا فإنه بعد أن توجته هوازن عليها ملكًا وأصبح قائدًا عامًا لجيشها استبد برأيه وسار يضع الخطة بمفرده ثم يسارع في تنفيذها بطريقة استبدادية، فلم يفكر في استشارة وجوه عشائر هوازن وسادتها المسنين الذين عركتهم الحوادث. سنين طويلة، بل أهملهم جميعًا، وصار يتخذ القرارات الانفرادية ثم يأمر بتنفيذها بصرامة فلا تعصى له هوازن أمرًا لأنها قد ارتضته ملكًا عليها وقائدًا

<<  <  ج: ص:  >  >>