عامًا لجيشها .. اللهم إلا بني كعب وبنى كلاب الذين عصوه ورفضوا إطاعة أوامره منذ البداية .. فكان من نتيجة اتخاذه القرارات الفردية والإسراع في تنفيذها بصورة استبدادية أن قاد قومه إلى هزيمة مدمرة لم يمنَ بمثلها جيل من العرب.
وكان من بين الذين أهملهم (دريد بن الصمة) الذي رغم كبره الشديد الذي أقعده، كان ذا خبرة كبيرة وتجربة واسعة بشئون الحروب ومكائدها ووسائل النصر وأسباب الهزيمة فيها لطول ما خاضها عبر أكثر من قرن من الزمن.
دريد بن الصمة الخبير الحربى الكبير هذا أهمله مالك بن عوف، فحُمل على ظهر بعيره في الجيش وهو (لثقل سمعه) لا يدرى ماذا يصنع القائد العام مالك، كيف يعبئ الجيش ويتصرف في شئونه المصيرية الأخرى.
حتى إن (دريد بن الصمة) لم يعلم أن القائد مالكًا قد جعل الجند يحملون معهم نساءهم وأبناءهم وأموالهم إلا في وادي أوطاس الذي كان المكان الرئيسى والأخير للتجمع والذي فيه أكملت هوازن حشد قواتها من كل بطونها (ما عدا كعب وكلاب).
ففي هذا الوادي الذي عسكر فيه مالك بن عوف بهوازن عدة أيام سمع دريد بن الصمة (رغم ثقل سمعه) الضجة الشديدة التي مبعثها رغاء الإبل وأصوات الحمير والشياه، وأصوات النساء والأطفال، وهو أمر لم يتوقع دريد (كخبير عسكرى مجرب) أن يكون ضمن جيش عرمرم يتحرك ليخوض معركة حياة أو موت.
لذلك عندما سمع تلك الضجة الهائلة في وادي أوطاس، قال -بلغة الاستغراب-: "ما لي أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير، وثغاء الشاء، وخوار البقر، وبكاء الصغير؟ ".
وكان الخبير المجرّب (دريد بن الصمة) عندما حط به الشجار على الأرض تحسسها بيده وقال: بأي واد أنتم؟ .