فكان لهذا العمل الدعائي المركز، الذي قام به معبد (لمصلحة المسلمين) أكبر الأثر في تهديم عزائم قادة الجيش المكي وإشاعة الذعر والفزع في نفوس الجيش القرشي، فقد أدخل هذا النبأ الذي نقله معبد الخزاعي في روع المشركين أن النبي قد جاء بمدد جديد، وأنه لو لم يكن كذلك لما أقدم على هذه الحركة السريعة وبهذا التحدي السافر المكشوف.
ولهذا قرر قادة جيش المشركين مواصلة الانسحاب إلى مكة وتحاشي الاصطدام بالمسلمين، في هذا الظرف. ولكن خروج المسلمين على هذا الشكل من التحدي أوقع قائد عام المشركين (أبا سفيان) في مركز حرج، فانسحابه إلى مكة (وقد علم العرب بخروج النبي لمطاردته) يكشف لسكان الجزيرة أن أبا سفيان لم يكن حقًّا منتصرًا في معركة أُحد.
إذ أنه لو كان كذلك لما نكل عن الحرب وجبن عن ملاقاة جيش المسلمين الذين خرج في طلبه، وعسكر (في تحد مكشوف) على مقربة من جيش مكة الذي يظنه الناس قد انتصر وحطم الجيش الإسلامي في أُحد. فكان منطق الأحداث (لا سيما في ذلك الظرف الذي ظهر فيه الجيش المكي أمام العرب بمظهر الغالب المنتصر) يقضي على أبي سفيان أن يخوض المعركة (من جديد) ضد جيش محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي خرج يطلب حربه في عزم وتصميم.
وهذا أقل ما يفرض منطق الأحداث (في ذلك الظرف) على أبي سفيان أن يفعله، لأن الواعين من الخبراء المحاربين قد تساءلوا (في استغراب) كيف لم يهاجم أبو سفيان المدينة عند انسحابه من أحد بجيشه