للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قريشًا) لم أوف لهم بالذي عاهدتهم عليه ولكن شأنك بسلب صاحبك. ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - معجبًا بشجاعة وبسالة أبي بصير - (ويل أمه مسْعرِ (١) حرب لو كان معه رجال (٢)) كلمة تعنى الشجاع البطل القادر على خوض المعارك وقيادة الجيوش وليس معه رجال. مثل أبي بصير.

[معقل الثوار ضد قريش]

وعندما علم أبو بصير أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لن يسمح له بالإِقامة في المدينة. اختمرت في ذهنه فكرة الثائر السلم البطل الذي تأبى نفسه أن يعود مرة أخرى إلى ذل الشرك والعبودية. فنفذ هذه الفكرة في الحال.

فقد حمل سيف القتيل الشرك واستوى على بعيره الذي غنمه منه واتجه غربًا نحو العيص على ساحل البحر. حيث تكثر الأحراش والأشجار المتشابكة التي يسهل فيها على الثائر الاختفاء عندما يريد.

ولم يكن هدف أبي بصير من اختيار العيص مكانًا لإِقامته الاختفاء عن الأنظار. بل كان هدفًا أسمى وأعلى من ذلك وهو إعلان الثورة على قومه المشركين وشن حرب عصابات على قوافلهم التجارية الكبرى التي يتحكم في طريقها الوقع الذي اختاره أبو بصير معقلًا له.

واستقل الثائر الأول بنفسه. ليس له أية علاقة إدارية بالمسلمين (بسبب صلح الحديبية) وصار يشن الغارات من معقله في العيص على قوافل قريش التجارية ويفتك برجال هذه القوافل المشركين ويستولى على ما يحتاج إليه من الأموال التي تحملها القوافل ثم يعود إلى معقله في العيص.

وقد أخاف أبو بصير (وكان شجاعًا باسلًا) أخاف قريشًا إخافة شديدة. فصارت مكة لا ترسل قوافلها إلى الشام إلا تحت حراسة مشددة، ومع ذلك لم تنج هذه القوافل من الثائر البطل الأول أبي بصير.


(١) مسعر حرب: موقدها ومهيجها.
(٢) تاريخ الطبري ج ٢ ص ٦٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>