للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بصاحبه. ولكنه فر هاربًا مذعورًا إلى المدينة طالبًا النجاة. ودخل المسجد على النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - والحصى يطير من تحت قدميه من شدة عدوه. قال - صلى الله عليه وسلم - إن هذا الرجل قد رأى فزعًا. ثم قال له: ويحك ما لك؟

فقال: قتل صاحبكم صاحبى وأفلتُّ منه ولم أكد. وإني لمقتول. ثم طلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحميه من أبي بصير الذي كان في أثره فأمنه النبي - صلى الله عليه وسلم - على حياته.

ولم يكد العامري المشرك يكمل حديثه في المسجد حتى طلع أبو بصير البطل متوشحًا سيف حارسه المشرك القتيل. ثم دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن أناخ البعير على باب المسجد. وأبلغ الرسول - صلى الله عليه وسلم - تفاصيل ما حدث. ثم قال: يا رسول الله وفت ذمتك وأدَّى الله عنك. أسلمتنى بيد القوم وقد امتنعت بدينى أن أفتن فيه أو يعبث بي.

وكان الشاب أبو بصير (على ما يظهر) يحاول بهذا القول إقناع النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يسمح له بالإِقامة في المدينة. ولا يجبره مرة أخرى على العودة إلى مكة.

وقد اقتنع النبي - صلى الله عليه وسلم - بوجاهة رغبة أبي بصير. فلم يجبره على العودة إلى مكة ولكنه في الوقت نفسه لم يسمح له بالإقامة في المدينة لأن ذلك يناقض اتفاقية الحديبية. ولذلك فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن شرح وجهة نظر أبي بصير - قال له: اذهب حيث شئت (١).

وقد طلب أبو بصير من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعتبر سلب العامري المشرك المقتول وبعيره غنيمة حرب فيخمسها كما تُخمَّس الغنائم، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفعل لئلا تفسر قريش ذلك نقضا للعهد الذي أعطاه النبي في الحديبية. فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بصير: إذا خَمسته (٢) رأونى (أي


(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ١٥١.
(٢) خمسه: أي أخذ خمسه عملا بآية الغنيمة: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: ٤١].

<<  <  ج: ص:  >  >>