فسارع عقلاء ثقيف إلى عقد اجماع تباحثوا فيه بشأن ما آل إليه أمرهم بعد دخول إخوانهم الهوازنيين في الإِسلام، وتحولهم إلى جنود لهذا الدين يشنون (لنصرته) الغارات على الطائف نفسها لبقاء أهلها على الشرك.
وقد كانت قبائل ثقيف قوة حربية لها وزنها ما في ذلك شك، فثقيف جيل محارب على مستوى ممتاز من أقدم العصور، يشهد على مقدرتهم القتالية وعراقتهم في شئون الحرب صمودهم بعناد داخل حصونهم أمام الحصار الشديد الذي فرضه الجيش النبوي البالغ اثنى عشر ألفًا عقب انتصاره في حنين وقيامه بمطاردة ثقيف هؤلاء، وقد رأينا (كما تقدم في كتابنا التاسع غزوة حنين) كيف أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - اضطر إلى فك الحصار عن الطائف، بعد أن فقد جيشه أربعة عشر شهيدًا قتلوا بسهام ثقيف، وهو عدد لم يذكر أحد من المؤرخين أن المسلمين فقدوا مثله في معركة حنين الحاسمة نفسها، الأمر الذي يدل على عناد ثقيف وكونهم جيلًا محاربًا شرسًا، وقد فك الرسول الحصار عن حصون ثقيف دون أن يتمكن جيشه من إخضاع أي قبيلة من قبائل ثقيف بقوة السلاح. إلا أنه - صلى الله عليه وسلم - أخبر أصحابه أن الله سيأتي بثقيف وستدخل في الإِسلام طائعة، ولهذا لا داعى لإهدار الوقت من أجل حصار قوم سيأتون مسلمين باختيارهم إن عاجلًا أم آجلًا.
وبعد أن تدارس قادة ثقيف وعقلاؤها الوضبع الذي هم عليه -كما تقدم رأوا بالإِجماع أن لا نجاة لهم مما هم فيه من ضيق وخوف - نتيجة بقائهم مشركين في محيط عشائر من إخوانهم وجيرانهم كلهم دخل في الإِسلام - إلّا بدخولهم هم أيضًا في الإِسلام، ونتيجة الاتفاق على هذا الرأي، ذهب وفد من ثقيف إلى المدينة، وأعلنوا إسلامهم جميعًا، بعد مفاوضات طويلة، أبدى فيها الوفد الثقفى الكثير من السخف، كما هو مفصل في كتابنا التاسع من هذه السلسلة (غزوة حنين).
[الحملات العسكرية بعد حنين والطائف]
وبعد انتصار المسلمين الحاسم في حنين، وبالرغم من هذا الانتصار العظيم، فقد بقيت للوثنية جيوب، بدا وكأنها (رغم تبعثرها وضعفها)