وإذا كان موقف سعد بن معاذ وقادة الأنصار قد أوضح لنا الصورة الجلية الواضحة عن فعالية سلاح العقيدة في جيش الإسلام الصغير، ومتانة هذه العقيدة وصلابتها إلى الحد الذي جعل المؤمنين بها يقفون ذلك الموقف الرائع، فإن مجئ قادة غطفان (وهم العمود الفقرى لجيوش الأحزاب) إلى مقر القيادة النبوية (سرًّا) ومد يدهم - من وراء ظهر قريش - لعقد صلح منفرد مع المسلمين مقابل ثلث ثمار المدينة، يعطينا الدليل القاطع على الخواء العقائدى الكامل داخل جيوش الأحزاب العظيمة، وأن هذه الآلاف المؤلفة، قد جاءت يسودها التفكك لأنها ليست لها رابطة موحدة تجمعها على عقيدة راسخة صادقة تصلها بالله، فتستعذب الموت في سبيلها، كما هو الحال عند المسلمين.
وإنما جاءت هذه الآلاف المؤلفة تحدوها أهداف رخيصة محدودة ضيقة، أهداف لا يمكن أن تكون أساسًا لنضال أو قاعدة لكفاح أهداف لحمتها وسداها الحصول على ما يمكن الحصول عليه من المغانم المادية بأية طريقة كانت، ثم العودة (بسرعة) إلى خيامها ومسارحها.
[مقارنة بين الأحزاب والمسلمين]
وبالمقارنة بين هذه الأهداف الرخيصة المحدودة التي جاءت الأحزاب تقاتل في سبيلها، وبين تلك العقيدة الشماء التي يقاتل المسلمون في سبيلها، والتي وقفت (في ظل رايتها) تلك القلة المؤمنة لتواجه تلك الحشود الهائلة، يتضح الفارق العظيم، ويتضح أي سلاح فعال سلاح العقيدة هو، عندما تكون عقيدة بناءة سليمة.