وجهه إلا سلاح رباطة الجأش وقوة الأعصاب. والاحتفاظ برجاحة العقل وهدوء النفس وثبات الجنان والثقة بنصر الله تعالى.
وهذه العوامل ذات الأثر الحاسم في مقاومة ذلك السلاح الرهيب المخيف الذي تنخلع له القلوب، لا تتوفر إلا لمن يحمل مثل تلك العقيدة الصافية السامية، عقيدة الإسلام، التي جعلت سيد الأوس الشاب (سعد بن معاذ) يقول للنبي - صلى الله عليه وسلم - عندما حاول عقد صلح منفرد مع قبائل غطفان، مقابل ثلث ثمار المدينة (رحمة بجيشه الصغير المحصور) .. والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم.
لقد قال هذا الشاب السيد المؤمن هذه الكلمة الخالدة التي رفض بها الصلح مع غطفان، قالها والمسلمون في أعلى درجات الكرب والضيق قد أخذت المحنة بتلابيبهم وطوقتهم الرزايا والخطوب وأحاطتهم من كل جانب.
رفض سيد الأنصار الشاب فكرة عقد الصلح المنفرد مع غطفان على تلك الصورة، مع أن هذه الفكرة التي استشار النبي الأنصار للموافقة عليها، هي (في عرف السياسة العسكرية) فكرة صائبة لا غبار عليها يلجأ إليها القادة العسكويون ويستخدمونها لتخفيف مؤونة الحرب على جيوشهم حتى اليوم.
لأن تشتيت شمل العدو وإضعاف قوته وتفريق كلمته بأية وسيلة، لا يغيب عن بال أي قائد عسكرى مسئول في كل الحروب بلا استثناء، ولكن قوة العقيدة الراسخة البناءة التي جاء بها هذا النبي الكريم جعلت قادة الأنصار (وهم العمود الفقري لجيش المدينة) يستأذنون نبيهم في رفض فكرة الصلح هذه والاستمرار في المقاومة مهما كانت النتائج.