للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أهم أسباب انتصار المسلمين بعد انهزامهم]

أ- ثبات الرسول - صلى الله عليه وسلم -:

يأتي (دونما شك) وفي الدرجة الأولى، من أسباب انتصار المسلمين الساحق بعد هزيمتهم المنكرة في حنين: يأتي في الدرجة الأولى، ثبات الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند الهزيمة، حيث انحاز في الميدان إلى مكان مناسب وثبت فيه، وصار يناشد المنهزمين ليعودوا إلى ميدان الشرف وينضمُّوا إليه.

الأمر الذي جعل هزيمة المسلمين غير شاملة، بعد أن كادت تكون كاملة ومدمرة وساحقة، فقد انتاب المنهزمين (وخاصة الأنصار) الخجل من أنفسهم، عندما علموا أن نبيهم وقائدهها الأعلى ثابت في الميدان يقاتل المشركين مقبلًا غير مدبر، فعادوا إلى الميدان وأعادوا تشكيل وحداتهم كلها من جديد وشرعوا بقيادة نبيِّهم - صلى الله عليه وسلم - في القيام بهجوم مضاد كاسح جديد، فضيَّعتْ عودتهم إلى الميدان ثمرة الانتصار التي كاد أن يقطفها قائد هوازن وملكها الداهية.

وهذه حقيقة واقعة يقرها -في كل عصر وزمان- المختصون بدراسة الشؤون العسكرية. فثبات القائد العام وهيئة أركان حربه، عندما يتعرّض الجيش لهزة عنيفة أو هزيمة، يكون له أحسن النتائج في تصحيح الأوضاع على الأقل، وتحويل الهزيمة إلى نصر مؤزر، وهذا ما حدث بالفعل للجيش النبوي بسبب ثبات قيادته، حين عاد هذا الجيش المنهزم والتف من جديد حول قائده الأعلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي بثباته يوم حنين ضرب أروع الأمثلة في الشجاعة والاستبسال.

ولا غرو، فتاريخ الرسول العسكري قبل حنين وبعدها، هو من أروع الصفحات في تاريخ العسكريين الشجعان، فما تعرّض المسلمون لروع أو فزع إلا وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - في مقدمتهم أثبت من الرواسى، يحميهم ويثبّت من أفئدتهم، فكانوا يلوذون به عندما تدلهمُّ الخطوب، ولقد وصف هذه الحقيقة الناصعة البراء بن عازب حين قال: ولقد كنا، إذا حمى البأس، نتقى برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنه الشجاع الذي يحاذى به (١).


(١) البداية والنهاية ج ٤ ص ٣٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>