للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهزيمة المسلمين في حنين ليست أول هزيمة منكرة تنزل بالمسلمين، فيكون ثبات الرسول - صلى الله عليه وسلم - العامل الرئيسى والأول في إنقاذ الموقف وتجنُّب عواقب الهزيمة الوخيمة بإعادة المسلمين إلى الميدان، ومقاتلتهم العدو، بعد أن فرُّوا أمامه.

ففي معركة أُحد نزلت بالمسلمين (كما حدث في حنين) هزيمة مروِّعة، ووصلت طلائع المنهزمين منهم أطراف المدينة، ولكن ما أن علموا بثبات نبيهم وقائدهم الأعلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في مكانه من الميدان حتى كرّوا راجعين للتجمع حوله، ومن أجل تحقيق هذا الغرض اشتبكوا مع طوابير المشركين المحيطة به في قتال شرس ضار، فقدوا أثناءه سبعين من خيرة رجالهم، ولكن ذلك -بفضل الله ثم بفضل ثبات نبيهم ساعة الهزيمة- مما أعاد لهم السيطرة على مكان المعركة في أُحد، فامتنعوا بسيوفهم وضيّعوا على قريش النصر الذي يسرته لهم غلطة فصيلة الرُّماة المسلمين، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نصر قريش نصرًا تعبويًا محدودًا، بعد أن كاد أن يكون سَوَقيًا (١) له آثاره المدمرة على مصير المسلمين.

فلولا ثبات الرسول - صلى الله عليه وسلم - ساعة انكسار المسلمين يوم أحد لكانت هزيمتهم كاملة شاملة، وعندما تصبح هزيمتهم هكذا فإنه من السهل على قائد جيش مكة أبي سفيان أن يحتل المدينة، وبهذا يكون نصر المشركين في أُحد نصرًا سَوَقيًا شاملًا لا نصرًا تعبويًا محدودًا.

ونفس الشيء فعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حنين .. فقد انتصرت هوازن في الصفحة الأولى من المعركة انتصارًا كاد يكون انتصارًا سَوَقيًا كاملًا شاملًا مدمرًا، لولا ثبات الرسول - صلى الله عليه وسلم - مكانه في الميدان منذ اللحظة الأولى التي تعرض فيها جيشه لتلك الهزيمة المزلزلة.

فكانت ثمرة ثبات سيد الشجعان الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم -، حصر انتصار هوازن بجعله (فقط) تعبويًا محدودًا غير ذي أثر مصيرى، حيث كان ثباته


(١) الفرق بين الانتصار التعبوى والسوقى، هو أن الانتصار التعبوى محدود في موضع محدود لوقت محدد، لا أثر له مصيري، أما الانتصار السوقى قله أثره الحاسم في نتائج المعركة كأن يحقق المنتصر أهدافه كلها.

<<  <  ج: ص:  >  >>