زراعية في الحجاز بل وجزيرة العرب على الإِطلاق. حيث كانت - ولا تزال حتى اليوم - تفيض منها بالماء مئات العيون وهو ما لا يوجد مثله في أية منطقة في الحجاز، مع جودة التربة وسعة الأراضي الصالحة لزراعة مختلف أنواع الأشجار والفواكه والحبوب كالذرة والحنطة والشعير.
وقد كان العرب في ذلك العصر يسمون واحات خيبر، ريف الحجاز، وقد ارتفعت ميزانية دخل خزينة الدولة الإِسلامية باستيلاء المسلمين على واحات خيبر، إرتفاعًا كبيرًا ملحوظًا، لا سيما بعد أن رصد النبي القائد والحاكم الأعلى خمس مغانم خيبر لبيت المال للصرف منه على مصالح المسلمين العامة حسب الظروف ومتطلبات الحاجة.
[النبي يعيد التوراة لليهود]
وعند إحصاء الغنائم وجد المسلمرن من بينها عدة أجزاء من التوراة (كتاب اليهود المقدس) وقد طلب اليهود من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعيد إليهم هذه الصحائف من كتابهم، فاستجاب لطلبهم، وأمر بإعادتها إليهم فأعيدت (١).
ولعل في إعادة صحائف التوراة إلى اليهود البرهان الذي يلقم متهمى الإِسلام بالتعصب ومصادرة غير المسلمين في معتقداتهم وإجبارهم على اعتناق الإسلام حجرًا.
فإعادة صحائف التوراة إلى اليهود (وخاصة في ذلك العصر) فيها أعظم الدليل على تسامح الإسلام وإطلاقه الحريات لمن يخالفه في العقيدة، في عصر بلغ فيه التعصب الأعمى للدين والمذهب بين الأمم الأخرى (كالرومان) إلى أن أباحوا لأنفسهم سفك دم الذين يخالفونهم في المذهب داخل إطار الدين الواحد، كما فعل حكام دولة الروم البيزنطة بمعاقبة النصارى في مصر. فكيف بمن يخالفهم في جوهر الدين ذاته؟
وأين تصرفات المسلمين الفاتحين النتصرين المتسامحة بإطلاقهم الحريات لمخالفيهم في الدين ليمارسوا شعائرهم في ظل الدولة الإسلامية كما يريدون،
(١) كتاب المغازي للواقدى ج ٢ ص ٦٨٠ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ١٦٦.