للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ببُديل بن ورقاء (١) فاستتبعاه فخرج معهما. فلما بلغوا الأراك من مر الظهران رأوا الأبنية والعسكر والنيران، وسمعوا صهيل الخيل ورغاء الإِبل، فأفزعهم ذلك فزعًا شديدًا وقالوا: هؤلاء بنو كعب حاشتها الحرب. فقال بديل (وهو من بني كعب): هؤلاء أكثر من بني كعب. قالوا: فتنجعت هوازن (٢) على أرضنا، والله ما نعرف هذا إن هذا العسكر مثل حاج الناس (٣).

وقال الإِمام الطبري في تاريخه - يروى هذه القصة -: قال العباس - وقد رأى النبي في ذلك الجيش العظيم -: والله لئن بغتها (يعني قريشًا) فدخل مكة عنوة إنه لهلاك قريش آخر الدهر، فجلس على بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيضاء، وقال: أخرج إلى الأراك لعلى أرى حطابًا أو صاحب لبن أو داخلًا يدخل مكة، فيخبرهم بمكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيأتونه ويستأمنونه، فخرجت فوالله إني لأطوف في الأراك ألتمس ما خرجت له إذ سمعت صوت أبي سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء، وقد خرجوا يتحسسون الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال العباس: فسمعت أبا سفيان وهو يقول - وقد رأى نيران الجيش: والله ما رأيت كاليوم قط نيرانًا. فقال بديل: خزاعة حمشتها الحرب، فقال أبو سفيان: خزاعة ألأم من ذلك وأذل. قال العباس فعرفت صوته (أي أبا سفيان).

فقلت: يا أبا حنظلة (٤). فقال: أبو الفضل؟ فقلت: نعم قال: لبيك فداك أبي وأمى، فما وراءك؟ فقلت له: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورائى قد دَلف (٥) إليكم بما لا قبل لكم به بعشرة آلاف من المسلمين. وهنا صعق أبو سفيان وأسقط في يده. ولم يعد راجعًا إلى مكة لتنظيم مقاومة


(١) بديل بن ورقاء هذا هو أحد سادات خزاعة. وكان يسكن مكة ويظهر أنه (كحليف للمسلمين) على علم بتحركات الجيش النبوى. فخرج يتحسس أخبارهم ولكن من غير المنطلق الذي ينطلق منه أبو سفيان. انظر ترجمة بديل في ما مضى من هذا الكتاب.
(٢) التنجع والانتجاع والنجعة قال في النهاية: تتبع الكلأ ومساقط الغيث.
(٣) مغازي الواقدي ج ٢ ص ٨١٤.
(٤) حنظلة هو أحد أبناء أبي سفيان وقد قتا مشتركًا يوم بدر.
(٥) دلف: مشى بسرعة وفوق الدبيب.

<<  <  ج: ص:  >  >>