كان ليلا. فإنه لم ير بدًا من المسارعة لإِنذار قومه ونصحهم بأن يسارع زعماؤهم إلى مفاوضة النبي - صلى الله عليه وسلم - ليحقن دماء أهل مكة قبل أن تطلع الشمس لذلك تحرك بنفسه - في غلس الظلام وبدون إبطاء - نحو الأراك بضواحى مكة لعله يجد هناك من الحطابين أو بياعى اللبن من يحمل إنذاره ونصحه إلى قريش ليسارع ساداتها بالخروج إلى المعسكر النبوى لأخذ الأمان من الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأهل مكة.
وقد كان من حسن الصدف أن سيّد قريش وزعيمها أبا سفيان بن حرب - بعد أن أعطاه سادات دار الندوة - التفويض الكامل كما تقدم، خرج في تلك الليلة يتحسس الأخبار وهو لا يعلم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصبح مرابطًا بجيشه على بعد أربعة أميال (فقط) من مكة المكرمة.
فكأن الله تعالى - إنقاذا لأهل مكة - ألهم أبا سفيان الخروج من تلك الليلة التي كانت حاسمة في تاريخ مكة. فقد كان خروج أبي سفيان في تلك الليلة سببًا في نجاة أهل مكة من حرب مدمرة لا قبل لهم بها، وهو الأمر الذي كان يفكر فيه بقلق بالغ وسعى في غلس الظلام لكى يحول دون حدوثه.
فبينما العباس يتجول حول الأراك باحثا في الظلام الدامس لعله يجد من يحمل رسالته إلى زعماء قريش، إذا به يجد سيد قريش نفسه يتحسس الأخبار عند الأراك. فيشرح له حقيقة الموقف، ويقدم نصحه بأن يسارع أبا سفيان، كسيد لقريش - إلى طلب الأمان من الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأهل مكة فيجيبه أبو سفيان دونما أي تردد. فيركبه العباس خلفه على ظهر بغلة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويذهب به إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - حيث يؤمن أبا سفيان ثم يمنح قريشًا عفوًا عامًّا شريطة أن لا يعترض أحد الجيش وهو يدخل مكة.
فقد ذكر المؤرخون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وصل مرَّ الظهران أمر أصحابه في الليل فأوقدوا عشرة آلاف نار، فكان منظرًا كادت تنخلع له قلوب القرشيين.
فبينما أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام يتحسسان الأخبار التقيا