مواقفه المتعددة من اليهود الذين لم يتركوا وسيلة من وسائل الإعلام إلا واستخدموها ضد النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعوته، وسخروها لتنفير الناس عنه وتشكيكهم فيما يدعو إليه بل والطعن (صراحة) فيه وفي رسالته.
ومع هذا لم يقم ضدهم بأي أعمال تأديبية من سجن أو فرض غرامة أو نفى أو ما شابه ذلك، مع العلم أنه كان قادرًا على ذلك لأن الدولة له والأمة كلها (ما عدا اليهود) طوع إشارته.
وهذه المعاملة مع الخصوم - في مجال العقيدة والسياسة - لم يستطع أرقى تشريع في العالم المتحضر اليوم الوصول إليها.
فالقوانين العصرية في البلاد (المسماة بالديمقراطية في الغرب) تنص على إطلاق الحريات العامة للمواطنين على اختلاف اتجاهاتهم ومذاهبهم وتحمى هذه الحريات، ولكن بشرط أن لا تستخدم هذه الحرية للتخريب وإشاعة الفتنة والفرقة بين الناس.
أما إذا استخدمت الحريات لهذا الغرض، فإن هذه القوانين تمنع هذه الحرية وتضرب على أيدى مستغليها لذلك الغرض التخريبى الذي يؤدي في النهاية إلى هدم النظام القائم.
وإذا رجعنا إلى محاضر معاملة النبي - صلى الله عليه وسلم - لليهود وجدنا أنه قد وقف منهم تلك المواقف المتسامحة ومنحهم مطلق الحرية ليقولوا فيه وفي دينه ونظامه ما شاعوا، مع العلم أنهم لا يقصدون بكل ما يقولونه من انتقادات ويتقدمون به من استجوابات حول الدين الجديد والنظام الذي جاء به، إلا هدم هذا الدين وإشاعة الفتنة بين المواطنين وإسقاط النظام القائم لتبقى لهم السيطرة على المجتمع.