للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأتبع دين محمد؟ . ثم خرج (١).

غادر أبو سفيان حجرة ابنته أمّ حبيبة. وهو يكاد يجر رجليه جرًا، من الذي لقيه من ابنته المسلمة التي صارحته بأنه مشرك نجس لا تسمح له (وإن كان أباها) أن يجلس على فراش الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولامته على أن يظل يعبد الأحجار بعد أن استبان الصواب ووضح السبيل لا سيما لمن هو في منزلته. سيد قريش وكبيرها! .

وبعد أن تلقى أبو سفيان تلك الصدمة النفسية العنيفة على يد ابنته المؤمنة أم حبيبة قام بمحاولة يائسة لإقناع الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالدخول معه في مفاوضة للحصول لقريش على ضمان باستمرار مفعول صلح الحديبية وتوثيق هذا الصلح بموافقة الرسول - صلى الله عليه وسلم - على زيادة مدته. لأن ذلك لو حدث لكان من النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثابة عفو عام عن قريش عما ارتكبته من خيانة وغدر في حق حلفائه فقد حاول أبو سفيان التمويه والمغالطة ليحصل على الضمان الذي تتوق قريش للحصول عليه. فتظاهر بأنه إنما جاء إلى المدينة بصفته الشخصية. وبصفته كان غائبًا في صلح الحديبية وأنه كسيد من سادات قريش جاء يطلب توثيق الصلح الذي لم يكن من بين الزعماء الذين وقعوا عليه. فقد دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: يا محمد، إني كنت غائبًا في صلح الحديبية فاشدد العهد وزد. غير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع على زعيم قريش خط المناورة، إذ قال له. لذلك جئت يا أبا سفيان؟ قال: نعم (٢). فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... هل كان فيكم من حدث؟ فلم يعترف أبو سفيان بالحقيقة، بل أنكرها في جرأة عجيبة. حيث قال .. معاذ الله، نحن على عهدنا وصلحنا لا نغير ولا نبدّل.

وهنا أسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا سفيان كلمات هي غاية في المران والرزانة والحنكة والتعمية على رجل هو زعيم أعداء النبي - صلى الله عليه وسلم -. كلمات زادت


(١) إمتاع الأسماع ص ٣٥٩.
(٢) مغازي الواقدي ج ٢ ص ٧٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>