للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتيح لهم الفرص ليتناجوا فيما بينهم بالدس والكيد للإسلام والمسلمين، ولكنهم كانوا يتخوفون لأن المسلمين ينظرون إليهم بعين الريبة والشك، فيتضايقون لذلك ولا يستطعون العمل بحرية، وقد عبّر عن هذه الحقيقة "التي عليها المنافقون من التضايق"، زعيمهم أبو عامر الفاسق المسمى عندهم بالراهب حين قال مفصحا عن نظرات الشك والريبة التي ينظر بها المسلمون إلى المنافقين عندما يحضرون معهم المسجد للصلوات: "لا أقدر أن أدخل مربدكم (١) هذا - يعني الخبيث المسجد - وذلك أن أصحاب محمد يلحظوننى وينالون منى ما أكره" (٢).

لذلك قرروا "وبإيحاء من زعيم ناحيتهم بقباء أبي عامر الفاسق" أن يبنوا لهم وكرًا يكون مقرًا لاجتماعاتهم يعملون فيه بحرية ضد الإِسلام والمسلمين. وقد ذهب بهم الإِيغال في المكر والخبث إلى أن يجعلوا مركز التآمر والكيد هذا على صورة مسجد كى يبعدوا الشبهة عن أنفسهم، لأن أحدًا لن يعترض علي بناء مسجد الذي لا يبنى عادة إلا لعبادة الله تعالى.

وكانت الفكرة من اختراع أبي عامر الفاسق الذي حضر مع المشركين. معركة أحد ضد المسلمين وركل جثة ابنه الشهيد غسيل الملائكة حنظلة بن أبي عامر، وهكذا اقتضت حكمة الله أن يخرج الأخيار من أصلاب الأشرار، فأبو عامر الراهب "الفاسق" من أخبث المنافقين، وابنه حنظلة من أفضل وأصلح شباب الإِسلام.

وقد خرجت فكرة أبي عامر الراهب الخبيثة إلى حيز الوجود حيث بتشجيع منه وتشجيع أمثاله بني المنافقون لهم مسجدًا، واختاروا ضاحيه من ضواحي المدينة وهي ضاحية قباء إلى تبعد عن المدينة حوالي ميلين، ويظهر أنهم اختاروا هذه الضاحية لما فيها من هدوء ولبعدها عن المديتة التي بها مركز النبي - صلى الله عليه وسلم - ومسجده الشريف.

وكان في هذه المنطقة "قبا" بنى أول مسجد في الإِسلام، وظل هذا المسجد محلا لإقامة شعائر الإِسلام في ذلك الحى، وهو حي بني عمرو بن


(١) المربد: الموضع الذي تحبس فيه الإبل والغنم.
(٢) مغازي الواقدي ج ٣ ص ١٠٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>