للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا وبينما كان هؤلاء المنافقون يفركون أيديهم فرحا لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سيصلى في وكر الجاسوسية "مسجد الضرار"إذا بألسنة اللهب تلتهم هذا الوكر وبعضهم بداخله ففرروا بجلدتهما وتركوه طعمة للنيران.

فقد جاء في كتب المغازي والسير أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما كان بوادى ذي أوان "ضواحي المدينة" وهو في طريقه إلى تبوك جاءه أصحاب مسجد الضرار. قال الواقدي: جاءه خمسة نفر منهم: صعتب بن قشير وثعلبة بن أبي حاطب، وخدام بن خالد، وأبو حبيبة بن الأزعر، وعبد الله بن نبتل بن الحارث. فقالوا: يا رسول الله إنا رسل من خلفنا من أصحابنا، إنا قد بنينا مسجدًا لذى القلة والحاجة، والليلة المطيرة، والليلة الشاتية، ونحن نحب أن تأتينا فتصلى بنا فيه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتجهز إلى تبوك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني على جناح سفر وحال شغل، ولو قدمنا إن شاء الله أتيناكم فصلينا بكم فيه. فلما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذى أوان راجعا من تبوك أتاه خبره وخبر أهله من السماء وكانوا إنما بينوه، قالوا بينهم، يأتينا أبو عامر (١) فيتحدث عندنا فيه، فإنه يقول: لا أستطيع آتى مسجد بني عمرو بن عوف "يعني مسجد قباء، إنما أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلحظوننا بأبصارهم، يقول الله تعالى: {وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} يعني أبا عامر الفاسق.

وعندما نزل القرآن يوضح لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ذلك المسجد المشبوه إنما هو مرصد يترصد فيه المنافقون المسلمون ويتخذونه مقرا لمحاربة الله ورسوله استدعى رجلين من أصحابه - وهما عاصم بن عدي بن العجلان (٢) ومالك بن الدخشم السالمى (٣) وأصدر إليهما أمره بأن يتوليا تدمير مسجد المنافقين


(١) أبو عامر الراهب هذا الذي أطلق عليه اسم "الفاس" كان يترهب في الجاهلية، فلما جاء الله بالإسلام غص به فالتجأ هو وخمسون من أصحابه الأوس إلى قريش بمكة وحضر معهم ضد المسلمين معركة أحد وقد حاول ابنه حنظلة قتله يوم أحد ولكنه لم يتمكن من ذلك. ولم يذكر المؤرخون كيف عاد أبو عامر هذا إلى المدينة وكيف سمع له الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالإقامة فيها. ولكن يظهر أنه تظاهر بالإسلام مثل غيره من المنافقين فتركه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وشأنه كما هي سياسته حيال المنافقين.
(٢) عاصم هذا يعد في البدريين رغم أنه لم يحضر بدر. انظر ترجمته في كتابنا (غزوة بدر).
(٣) انظر ترجمة مالك بن الدخشم في كتابنا (غزوة بدر الكبرى).

<<  <  ج: ص:  >  >>