للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي ظل القانون الإسلامي هذا ظل هؤلاء المنافقون -رغم ما يضمرون من شر للمسلمين- يتمتعون بحقوق المواطن المسلم، رقد استغلوا تمتعهم بهذا الحق لجعله ستارًا يكيدون من خلفه للإسلام ويعملون بكل إمكاناتهم (سرًّا) للتآمر على كيان المسلمين، فلا تسنح لهم فرصة يظنون أنهم قادرون فيها على الإضرار بالمسلمين (على أي مستوى) إلا واغتنموها كي يصيبوا المسلمين بهذا الضرر ولكن بخبث وحذر بحيث لا يقعون تحت طائلة القانون.

كما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وبما عرف عنه من مرونة وتسامح وصبر- يلجأ دائمًا إلى تجاهل تصرفات هؤلاء المنافقين، حتى وإن بلغت -في بعض الأحيان- حد الضرر الواضح بالمسلمين، كما حدث في غزوة أحد، حين تمرد ثلاثمائة منافق بقيادة عبد الله. بن أُبَيّ كانوا قد انخرطوا في سلك الجيش النبوي الذاهب إلى أحد لمواجهة قريش، فرجع عبد الله بن أبَيّ بهؤلاء المنافقين من منتصف الطريق بين المدينة وأحد، بقصد توهين عزائم المسلمين وإحداث الفرقة في صفوفهم وتقوية معنويات المشركين الذين كانوا يرون ما يحدث من تمرد من هؤلاء المنافقين، ومع ذلك فلم يتخذ الرسول - صلى الله عليه وسلم - أي إجراء تأديبى ضد هؤلاء المنافقين، بالرغم من اقتراح بعض أصحابه -آن ذاك- بتصفية هذه العناصر التخريبية المنافقة عسكريًا قبل ملاقاة قريش (١).

ومثل هذه المواقف المشينة سبق وأن تكررت من عناصر النفاق كما حدث من زعيمهم من إثارة للفتنة في غزوة بني المصطلق، وإشاعة قالة السوء الكاذبة في أم المؤمنين الطاهرة عائشة - رضي الله عنها -، والتي على أثرها طلب الابن الصالح لهذا المنافق وهو (أي الابن) عبد الله بن عبد الله بن أُبَيّ السماح له بقتل أبيه إذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - قرر (ولابد قتله)، ولكن الرسول عالج تلك المشاكل والبلبلات التي أثارها عبد الله بن أُبيّ. عالجها بكل حكمة، ولم يسمح بقتل رأس النفاق، بل تركه وشأنه، حتى اكتشفه أبناء عشيرته على حقيقته الخبيثة فمقتوه، وصار نفوذه يتضاءل


(١) انظر تفاصيل تمرد المنافقين هذا في كتابنا الثاني (غزوة أحد).

<<  <  ج: ص:  >  >>