للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أنى رسول الله؟

فقال أبو سفيان: بأبي أتت وأمى ما أوصلك وأحلمك وأكرمك. أمَّا هذه ففي النفس منها شيء (١).

كان هذا الحوار الهادئ يجرى بين سيد البشر محمد - صلى الله عليه وسلم - وسيد قريش أبي سفيان بن حرب، ووسيط السلام العباس بن عبد المطلب حاضر يسمع ويرى.

وكان -كما دلت تصرفاته (منذ بدأ الوساطة) - شديد الحرص على أن يسارع أبو سفيان بن حرب إلى أعتناق الإِسلام لأن ذلك سيكون عاملًا حاسمًا في إزالة شبح الحرب المخيف عن المدينة المقدسة التي يخاف العباس عليها وعلى أهلها من أن يجتاحها الجيش الإِسلامي عنوة وبقوة السلاح.

فهناك عناصم في الجيش النبوى "من غير القرشيين" وهم الأغلبية الساحقة مثل الأنصار، لديها الرغبة الشديدة في الانتقام من مشركى مكة لتعنتهم في الماضي في إيذاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - والتنكيل به أيام إقامته مع القلة من أصحابه بينهم.

وقد عبر عن هذه الرغبة الشديدة قائد أحد الألوية الخمسة التي دخلت مكة، سعد بن عبادة الذي عزله الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأسند قيادة اللواء إلى ابنه قيس عندما بلغه أنه يهدد بإحداث مذبحة بين مشركى مكة .. "اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة" (٢).

وانطلاقًا من قاعدة الحرص في نفس العباس على تجنيب مكة ويلات الحرب - ولعلم العباس أن إسلام صديقه أبي سفيان سيكون من أهم عوامل إبعادها عن العاصمة المقدسة لأنه سيد قريش ومفوضها وقائد حربها إذا أسلم ستسلم كل مكة، أو ستتلاشى (على الأقل) الرغبة في المقاومة من نفوس الراغبين فيها. لذلك لما رأى العباس تردد صديقه أبي سفيان


(١) تاريخ الطبري ج ص ٥٤، ومغازي الواقدي ج ٢ ص ٨١٨.
(٢) سيرة ابن هشام ج ٤ ص ٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>