في حالة ضيق شديد، ولذلك أطلق على غزوة تبوك اسم غزوة "العسرة" لما لاقى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من جهد ومشقة لإكمال تمويل وتجهيز هذا الجيش الضخم، ولكون هذه الغزوة قام بها المسلمون في صائفة شديدة الحر، ولطول المسافة التي سيقطعها الجيش الضخم هذا من المدينة إلى الحدود الشمالية، فإن التجنيد الإِجبارى لم يتناول إلا الذين يجدون مركبًا من خيل أو إبل، فقد كان هذا الجيش كله محمولا، ولذلك أعفى الذين لم يجدوا ما يحملون عليه في هذه الغزوة، أعفوا من الاشتراك في هذه الغزوة رغم حرصهم الصادق الشديد على أن يشهدوها، كما جاء ذلك صريحًا في القرآن الكريم: {لَيسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩١) وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ}.
ومما يدل على أن التجنيد لغزو الروم كان إجباريًا، لا يجوز لمسلم قادر "جسديًا وماديًا" أن يتخلف عن الانخراط في سلك الجيش الغازى، قول الله تعالى -بعد أن عذر المعسرين ماديًا وأثنى عليهم-: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}.
وقد يتساءل البعض: لماذا لم يؤجل الرسول - صلى الله عليه وسلم - تحرك هذا الجيش، حتى ينتهى فصل الصيف اللاهب، وتتحسن أحوال الناس المعيشية فتزول الضائقة المادية التي هم عليها الناس، الذين لولا سخاء أغنياء الصحابة وتبرعهم العظيم بأموالهم لما استطاعوا "لفقرهم" الاشتراك في هذه الغزوة التاريخية؟ .
الجواب هو أن الحالة في الحدود الشمالية "كما ذكرت المعلومات" من حيث حشد الجيوش الرومانية والعرب المتنصرة بقصد اجتياح حدود الجزيرة- تدعو إلى القلق والسرعة الشديدة من المسلمين لدفع الخطر الروماني قبل أن يستفحل، وهذا "على ما يبدو"هو الذي اضطر القيادة