أما المبعوثون إلى أهل مكة فلم أر فيما بين يدي من مصادر اسم أحد منهم، وكما ذكر أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى أهل مكة يستنفرهم كما بعث إلى أهل البوادى، كما جاء في مغازي الواقدي.
ولقد لقيت دعوة استنفار الرسول - صلى الله عليه وسلم - تجاوبًا كبيرًا، سواء في الحاضرة أو في البادية، فتم حشد ثلاثين ألف مقاتل، رغم كيد المنافقين ومحاولة توهينهم عزائم المسلمين.
ولقد تحدث الواقدي في كتابه المغازي عن التهيؤ لهذه الغزوة الخطيرة. فقال راويا عن عشرة من شيوخه: كانت الساقطة -وهم الأنباط- يقدمون المدينة بالدرك والزيت في الجاهلية وبعد أن دخل الإِسلام، فإنما كانت أخبار الشام عند المسلمينِ كل يوم لكثرة من يقدم عليهم من الأنباط، فقدمت قادمة فذكروا أن الروم قد حمعت جموعًا كثيرة بالشام، وأن هرقل قد رزق أصحابه "أي دفع رواتبهم" لسنة كاملة، وأجلبت معه لخم وجذام وغسان وعاملة، وزحفوا وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء وعسكروا بها، ولم يكن عدو أخوف عند المسلمين منهم، وذلك لما عاينوا منهم -إذ كانوا يقدمون عليهم تجارا- من العدد والعدة والكراع.
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يغزو غزوة إلا ورى بغيرها، لئلا تذهب الأخبار بأنه يريد كذا وكذا، حتى كانت غزوة تبوك، فغزاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حر شديد، واستقبل سفرًا بعيدًا، واستقل غزى وعددًا كثيرًا، فجلى للناس أمرهم ليتأهبوا لذلك أهبة غزوهم، وأخبر بالوجه الذي يريد. ثم ذكر الواقدي أسماء المبعوثين الذين بعثهم إلى البادية لاستنفار سكانها للجهاد.
لقد كانت السنة التي أعلن فيها الرسول - صلى الله عليه وسلم - الاستنفار العام لمواجهة الرومان في الشمال، سنة جدب وجفاف، فالمسلمون "وخاصة البادية"
(١) قد أتينا على ترجمة هؤلاء الصحب الكرام فيما نشر من هذه السلسلة.