للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان قد ترك الحديبية وأخذ في الاتجاه لاجتياز حدود الحرم، وكان ساعتها - وقبل أن يُدْلي بهذا التصريح السلمي الهام - قد رسخ في أذهان أصحابه الألف والأربع مائة أنه سيستخدم السلاح لمقاتلة قريش (في اليوم الأول من وصوله) إن هي حاولت التعرُّض له ومنعه من دخول مكة بالقوة. ولذلك استعدّ أصحابه للحرب تحسبًا لأي طارئ، إلَّا أن تصريحه الهام هذا، وابتعاده بأصحابه عن حدود الحرم قد جعل نشوب الحرب بينه وبين قومه أمرًا بعيد الإحتمال.

وقد ظلت فكرة السلم والبعد عن الحرب والحرص على صون دماء الفريقين من أن تراق في حرم الله، هي السائدة لدى النبي القائد - صلى الله عليه وسلم - ولهذا فإنه - صلى الله عليه وسلم - كنبيّ جاء رحمة للعالمين أولًا، وكقائد حكيم يحرص على هداية قومه وصلة أرحامهم وأن يبرَّهم وإن عقّوه ثانيًا) ابتعد وأمر أصحابه بالابتعاد عن أية مزايدات كلامية أو تصريحات عنترية يكون من شأنها إلهاب الموقف والاقتراب بالفريقين إلى حافة حرب لم يأتِ لها ولا رغبة له فيها، ولهذا ظل - صلى الله عليه وسلم - شعاره الرئيسي دعوة قومه - وعشيرته إلى السلام في كل حديث أو حوار يدور بينه وبينهم طيلة إقامته محصورًا في الحديبية.

فعل ذلك بالرغم من أن قومه من أهله وعشيرته لم يتركوا وسيلة من وسائل الاستفزاز والتحدِّي له ولأصحابه إلا واتبعوها، فملأوا الدنيا بالمزايدات الكلامية والتصريحات العنترية، واستنفروا حلفاءهم للحرب سفهًا وبطرًا ورئاء الناس، وأخذوا فوق ذلك (في استفزاز ملهبًا للأعصاب) يستعرضون - أمام النبي وأصحابه - عضلاتهم العسكرية بإقامة استعراضات حربية لمختلف كتائب جيوشهم من خيالة ومشاة على

<<  <  ج: ص:  >  >>