للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو أن ملك الغساسنة النصارى بالشام علم بمأساة كعب بن مالك فأراد استغلالها لعله ينجح في إغراء كعب بترك دينه ومغادرة المدينة والالتحاق بالشام لكون ضمن أسرة الغساسنة المتنصرين. فقال مالك: فبينا أنا أمشى بالسوق فإذا نبطى من نبط الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالسوق يسأل عنى يقول: من يدلنى على كعب بن مالك؟ فجعل الناس يشيرون له، فدفع إلى كتابًا من الحارث بن أبي شمر ملك غسان -أو قال: من جبلة بن الأيهم- في سرقة (١) من حرير، فإذا في كتابه: أما بعد فقد بلغني أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك. قال كعب: فقلت حين قرأته: وهذا من البلاء أيضًا، قد بلغ منى ما وقعت فيه أن طمع في رجال من أهل الشرك، فذهبت بها إلى تنور فسجرته (٢) بها، وأقمنا على ذلك حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتينى فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرك أن تعتزل امرأتك. فقلت: أطلقها أم ماذا؟ قال: بل اعتزلها فلا تقربها، وكان الرسول بعث إليّ وإلى هلال بن أمية ومرارة بن الربيع، خزيمة بن ثابت. قال كعب: فقلت لامرأتى الحقى بأهلك، فكونى عندهم حتى يقضى الله في هذا الأمر ما هو قاض.

وأما هلال بن أمية فكان رجلًا صالحا، فبكى حتى أن كان يرى أنه هالك من البكاء، وامتنع من الطعام، فإن كان يواصل اليومين والثلاثة من الصوم ما يذوق طعامًا، إلا أن يشرب الشربة من الماء أو اللبن، ويصلى الليل ويجلس في بيته لا يخرج، لأن أحدًا لا يكلمه، حتى إن كان الولدان ليهجرونه لطاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاءت امرأته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ كبير ضائع، لا خادم له، وأنا أرفق به من غيرى، فإن رأيت أن تدعنى أن أخدمه فعلت. قال: نعم، ولكن لا تدعيه يصل إليك. فقالت: يا رسول الله ما به من حركة إلى، والله ما زال يبكى منذ يوم كان من أمره ما كان إلى يومه هذا، وأن


(١) السرقة -بفتح أوله وثانيه-: الشقة من الحرير، وقال بعضهم: الرق أحسن الحرير وأجوده.
(٢) سجره: أي ألهب التنور بها، يعني أنه أحرقها "شرح أبي ذر ص ٤٢٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>