للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- صلى الله عليه وسلم - قد أظل قادمًا، زاح عنى الباطل، وعرفت أنى لا أنجو منه إلا بالصدق فأجمعت أن أصدقه وصبَّح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاء المخلفون يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلًا، فقبل منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علانيتهم وأيمانهم ويكل سرائرهم إلى الله تعالى.

ويقال من غير حديث كعب: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما نزل بذى أوان خرج عامة المنافقين الذين تخلفوا عنه: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تكلموا أحدا منهم تخلَّف عنا ولا تجالسوه حتى آذن لكم، فلم يكلموهم، فلما قدم المدينة جاءه المعذّرون يحلفون له وأعرض عنهم، وأعرض المؤمنون عنهم حتى إن الرجل ليعرض عن أبيه وأخيه وعمه، فجعلوا يأتون النبي - صلى الله عليه وسلم - ويعتذرون إليه بالحمى والأسقام، فيرحمهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقبل منهم علانيتهم وأيمانهم، فحلفوا فصدقهم واستغفر لهم، ويكل أمرهم إلى الله عزَّ وجلَّ.

قالوا: وقال كَعب بن مالك: جئت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في المسجد، فسلمت عليه، فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب، ثم قال لي، تعال، فجئت أمشى ثم جلست بين يديه فقال لي: ما خلفك؟ ألم تكن ابتعت ظهرك؟ فقلت: يا رسول الله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أنى سأخرج من سخطه بعذر، لقد أعطيت جدلًا، ولكن والله لقد علمت. لئن حدثتك اليوم حديثًا كاذبًا لترض عنى ليوشكن الله عزَّ وجلَّ أن يسخط عليَّ، ولئن حدثتك اليوم حديثًا صادقًا تجد (١) عليَّ فيه، أنى لأرجو عقبى الله فيه. ولا والله ما كان لي عذر، والله ما كنت أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما أنت فقد صدقت، فقم حتى يقضى الله عزَّ وجلَّ فيك، فقمت وقام معى رجال من بني سلمة، فقالوا لي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبًا قبل هذا، وقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما اعتذر إليه المخلفون، فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لك. فوالله ما زالوا بي


(١) تجد: أي تغضب "النهاية في غريب الحديث لابن الأثير ج ٤ ص ١٩٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>