وقد صدع بسر بن سفيان بأَمر نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فتوجَّه إلى مكة، وما هي إلا أَيام قلائل حتى كان فيها، وظلّ بسر في مكة يرصد (بطريقه الخاص) حركات القرشيين ويدوِّن في ذاكرته كل ما يراه أَو يسمعه مما تقوله وتفعله قريش، وظلَّ في مكة عدة أَيام عرف فيها كل ما يحب أن يعرفه رجل مكلَّف بمثل هذه المهمة الخطيرة التي كلِّف بها.
وقد بلغ رجل الاستخبارات النبوية في إنجاح مهمته إلى حدِّ المخاطرة بروحه، حيث صاحب الجيوش المشتركة (من القرشيين والأَحلاف) في تحركاتها حتى استقرت في معسكرها الرئيسي في وادي (بلدح)، ولم يتركها إِلا بعد أَن رآها تقيم الأَبنية وتضرب الخيام في هذا الوادي مصممة على صد المسلمين عن البيت بالقوة.
فقد توجَّه (بسر) بعد ذلك ليلتقى بالرسول - صلى الله عليه وسلم - في (ذات الأَشطاط) من وراءِ عُسفان على مسافة غير بعيدة من حدود الحرم.
وهناك أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بكل شيء عن قريش .. فعندما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يا بسر ما وراءك؟ .
قال: يا رسول الله تركت قومك كعب بن لؤي وعامر بن لؤي، قد سمعوا بمسيرك ففزعوا وهابوا أَن تدخل عليهم عنوة وقد استنفروا الأَحابيش ومن أَطاعهم، معهم العوذ المطافيل، قد لبسوا لك جلود النمور ليصدُّوك عن المسجد الحرام، وقد خرجوا إلى (بلدح) وضربوا الأَبنية، وتركت عُمادهم (أَي قادتهم) يُطعمون الجزر أَحابيشهم ومن ضوَى (أي انضم إليهم) في دورهم، وقدموا الخيل عليها خالد بن الوليد .. مائتي فرس .. وهذه خيلهم بالغميم وقد وضعوا العيون على الجبال، ووضعوا الأرصاد (١).