برجاحة العقل وبعد النظر والتي أسرت وأكرمها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأعتقها من الأسر).
قال عدى: فلما قدمت الشام أقمت بها وتخالفنى خيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتصيب ابنة حاتم (السفانة) فيمن أصابت، فقدم بها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سبايا طيئ (١) وقد بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هربى إلى الشام، قال: فجعلت ابنة حاتم في حضيرة بباب المسجد، كانت السبايا يوضعن فيها، فمرّ بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقامت إليه (وكانت امرأة جزلة أي شجاعة وجريئة) فقالت: يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد، فامنن عليّ منّ الله عليك. قال: فمن وافدك؟ قالت: عَديّ بن حاتم. قال: الفارّ من الله ورسوله؟ قالت: نعم.
قالت: ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتركنى، حتى إذا كان من الغد مرّ لي فقلت له مثل ذلك، وقال لي: ما قال بالأمس. قالت: حتى إذا كان بعد الغد مرّ بي وقد يئست منه فأشار إلى رجل من خلفه أن قومى فكلميه، قالت: فقمت إليه فقلت: يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن عليّ من الله عليك. فقال - صلى الله عليه وسلم -: قد فعلت فلا تعجلى بخروج حتى تجدى من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك، ثم آذنينى (أي أخبرينى). قالت السفانة: فسألت عن الرجل الذي أشار إلى أن أكلمه فقيل: علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، وأقمت حتى قدم ركب من بلى أو قضاعة. قالت: وإنما أريد أن آتى أخي بالشام. قالت: فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله قد قدم رهط من قومى لي فيهم ثقة وبلاغ. قالت: فكسانى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحملنى (أي أعطانى بعيرًا) وأعطانى نفقة، فخرجت معهم حتى قدمت الشام.
(١) انظر موقف الإسلام من السبايا والرق الحربى في كتابنا (غزوة بني قريظة) حيث أوضحنا فيه أن الرق في الإِسلام كان عملية حربية مقابلة لا بد لجند الإِسلام من القيام بها لأن الأعداء يسترقون نساء وصبيان المسلمين إذا وقعوا في أيديهم، ومع ذلك فحث الإسلام على العناية بالأسر وإطلاق سراحه: جعل ذلك من أبر الأعمال والأسرى والسبايا الذين حَثَّ الإِسلام على العناية بهم وتحريرهم، في الأصل عن غير المسلمين.