ولكن الذي حدث هو العكس حيث انهارت هذه القبيلة عند الصدمة الأولى، ويظهر أن الرعب الكامل قد سيطر على نفوسهم من المسلمين، فحطم فيها القدرة القتالية الممتازة التي اشتهروا بها عبر العصور قبل الإِسلام، حيث كانوا يأتون في مقدمة رجالات نجد عندما يأتي ذكر الفروسية، فقد كانت طيئ مشهورة باقتناء الخيل.
ولا شك أن انهيار معنويات طيئ حتى الحضيض راجع إلى نجاح القيادة الإِسلامية في تحطيم أقوى العناصر العسكرية المعادية للإِسلام بمن فيها قبائل غطفان وعشائر هوازن وبطون قريش بالإِضافة إلى تصفية العنصر اليهودى الدخيل الذي يعتبر (وخاصة في خيبر) من أخطر العناصر القتالية شرقي المدينة على المسلمين.
إذن، فعناصر طيئ (وهم أحلاس الخيل ونسور الحرب) لم تعد آلافهم المؤلفة تغنى شيئًا، فقد استطاعت دورية مسلحة خفيفة قوامها مائة وخمسون من المسلمين أن تتغلب عليهم وتجعلهم يطلبون النجاة لأنفسهم، رغم أن عندهم من سلاح الفرسان ما لا يقل عن ألفى فارس، ولكنه الرعب من المسلمين ملأ قلوبهم، والرعب أخطر سلاح يتعرّض له من يصاب به .. والرعب الذي افهزمت طيئ بفعله، هو مصداق الحديث النبوي الشريف الذي جاء فيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ونصرت بالرعب. وإلا فإن من يعرف طيئًا وملكها الكبير وفرسانها المغاوير لا يكاد يصدّق أن الآلاف المؤلفة منهم قد انهزمت أمام مائة وخمسين من المسلمين هاجموا طيئ على بعد ستمائة ميل من المدينة وليس معهم سوى خمسين فرسًا، بينما تملك طىيء في شعاب ووديان أجا وسلمى ما لا يقل عن ألفى فرس. ولكنه الرعب قد ملأ قلوبها حتى أصبحت هواء. وحتى سيدها وملكها وفارسها المعلم عَدى بن حاتم الطائى للرعب الذي أصابه هرب إلى الشام عند اقتراب المسلمين من دياره دون أن يشهر سيفًا أو يشرع رمحًا في وجوههم. حتى أنه عند هربه إلى الشام، لم يتمكن من استصحابه شقيقته السفانة التي وقعت ضمن السبايا اللواتى وقعن في أيدى جند دورية علي بن أبي طالب.