انهار الليل، كذب العبد وقال: قد أخطأت الطريق، وتركتها ورائى، قال على: فارجع إلى حيث أخطأت، فرجع ميلًا أو أكثر، ثم قال: أنا على خطأ. فقال على: إنا منك على خدعة، ما تريد إلا أن تثنينا عن الحى، قدّموه، لتصدقنا أو لنضربن عنقك، قال: فقدّم وسل السيف على رأسه، فلما رأى البشر قال: أرأيت إن صدقتكم أينفعنى قالوا: نعم، قال: فإنى صنعت ما رأيتم، إنه أدركنى ما يدرك الناس من الحياء فقلت كما أقبلت بالقوم أدلهم على الحى من غير محنة ولا حق فآمنهم، فلما رأيت منكم ما رأيت وخفت أن تقتلونى كان لي عذر، فأنا أحملكم على الطريق. قالوا: أصدقنا. قال: الحى منكم قريب، فخرج معهم حتى انتهى إلى أدنى الحى، فسمعوا نباح الكلاب وحركة النعم في المراح والشاء، فقال هذه الأصرام وهي على فرسخ، فينظر بعضهم إلى بعض، فقالوا: فأين آل حاتم؟ قال: هم متوسطو الأصرام (أي البيوت). قال القوم لبعضهم البعض: إن أفزعنا الحي تصايحوا وأفزعوا بعضهم بعضًا، فتغيب عنا أحزابهم في سواد الليل، ولكن نمهل القوم حتى يطلع الفجر معترضًا فقد قرب طلوعه فنغير، فإن أنذر بعضهم بعضًا لم يخف علينا أين يأخذون، وليس عند القوم خيل يهربون عليها، ونحن على متون الخيل.
قالوا: الرأي ما أشرت به، قال: فلما اعترضوا الفجر أغاروا عليهم فقتلوا من قتلوا وأسروا من أسروا، واستاقوا الذرية والنساء، واستاقوا الغنائم المختلفة الأنواع، ولم يخف عليهم أحد تغيب فملأوا أيديهم، وبعد السيطرة على منازل الأعداء واحتلالها والقضاء على كل مقاومة أبدوها، سار على إلى صنمهم الفُلْس، فهدمه وخرّبه وبذلك أنهى آخر مظهر من مظاهر الوثنية في الشمال الشرقي لجزيرة العرب.
وهكذا كانت عملية تمشيط جيوب المقاومة الوثنية في جزيرة العرب التي تقوم بها الوحدات العسكرية النبوية تسير سيرًا ناجحًا ودونما أي عائق، لقد كانت قبيلة طيئ (بحق) أقوى جيوب المقاومة الوثنية في جزيرة العرب، وكان المتبادر إلى الذهن أن هذه القبيلة - لما هي عليه من كثرة في العدد وقدرة قتالية لا تنكر - ستكون مقاومتها للوحدة الخفيفة التي قادها