للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن العاص (١) إلى فزارة، وبعث الضحاك بن سفيان الكلابي إلى بني كلاب.

وكان فيمن بعث، بُسر بن سفيان الكعبى (٢) إلى قومه خزاعة، فجاءهم بسر فرحبوا به وأبدوا استعدادهم لأداء ما فرض الله عليهم من زكاة، وكانت تجاور خزاعة في أرضها قبيلتان من تميم يقال لإِحداهما: بنو جهيم، وللأخرى: بنو عمرو بن جندب بن العتير، وكانوا يشربون مع خزاعة على غدير واحد بذات الأشطاط ناحية عسفان وعلى مسافة غير بعيدة من الحديبية، وكان هذان الحيان من تميم لا يزالان على الوثنية، وكانوا ضيوفًا على خزاعة لأنهم في أرضها.

غير أن التيميين لما رأوا خزاعة تحشر جميع مواشيها ليأخذ منها بسر بن سفيان الزكاة لبيت مال المسلمين، استنكروا ذلك، وقالوا لخزاعة: ما هذا؟ تؤخذ أموالكم بالباطل.

فقال لهم الخزاعيون: إننا مسلمون وهذا شيء يفرضه ديننا ونحن راضون به، فنفخ شيطان الجاهلية في مناخر التيميين فقالوا: والله لا يصل إلى بعير منها أبدا، ثم احتشدوا وأخذوا أسلحتهم، فتقلدوا القسى وشهروا السيوف ليمنعوا بالقوة مبعوث الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أن يأخذ زكاة مواشى خزاعة المسلمة.

وكان المبعوث النبوي إلى خزاعة ليس معه من مرافقيه سوى اثنين فقط، فلما رأى احتشاد التيميين في سلاحهم خاف وهرب راجعًا إلى المدينة، قال الواقدي: (وهو يخافهم، والإسلام يومئذ لم يعمّ العرب، قد بقيت بقايا من العرب -أي على الوثنية- وهم يخافون السيف لما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة وحنين، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أمر مصدّقيه -أي الذين يجمعون الزكاة أن يأخذوا العفو منهم، ويتوقوّا كرائم أموالهم، فقدم المصدق على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال: يا رسول الله، إنما كنت في ثلاثة نفر) (٣)


(١) انظر ترجمة عمرو بن العاص في كتابنا (فتح مكة).
(٢) انظر ترجمة بسر بن سفيان في كتابنا (صلح الحديبية).
(٣) مغازي الواقدي ج ٣ ص ٩٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>