وكان قد جاء متنكرًا لاغتيال النبي - صلى الله عليه وسلم - بإيعاز من (مسيلمة الكذاب)(١) وكانت سرية ابن مسلمة قد أَخذت (ثمامة وهي لا تعرفه)، فلما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أَتدرون من أَخذتم؟ ؟ هذا ثمامة بن أُثال الحنفي فأَحسنوا أُساره .. وأَمر - صلى الله عليه وسلم - بتخصيص ناقة يأْتي لبنها إلى ثمامة كل مساءٍ وصباح.
وقد أَحسن النبي - صلى الله عليه وسلم - معاملة سيد بني حنيفة الأَسير، وكان يزوره في معتقله ويلاطفه. . حتى أَثَّرت هذه المعاملة النبوية الحسنة في نفسه إلى درجة تحوَّل معها من أَشد الناس بغضًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أَعظمهم حبًّا وتفانيًا في تدعيم دعوته.
فقد زاره النبي مرة وهو في معتقله، فقال له (ملاطفًا): ما عندك يا ثمامة؟ . . فقال: يا محمد عندي خير. . إِن تقتل تقتل ذا دم. . وإِن تعف. . تعف عن شاكر. . وإِن تريد المال فسل، تعط منه ما شئت! ! .
غير أَن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقتله ولم يطلب فدية، بل عفا عنه ليذهب حرًّا كيف شاءَ. . إِلا أَن ثمامة (وقد ملكت عليه مشاعره وأَخذت بزمام قلبه تلك المعاملة النبوية الكريمة النبيلة) لم يعد إلى قومه كما جاءَ مشركًا بل عاد إليهم داعية إلى دين التوحيد (وكأَشد ما يكون الداعية المخلص).
فبعد أَن عفا عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأَمر بإطلاق سراحه جاءَ إِلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال له: يا محمد والله ما كان على الأَرض وجه أَبغض إليَّ من وجهك. . فقد أَصبح وجهك أَحب الوجوه كلها إليّ.