للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير أن قريشًا تجاهلت هذا القانون الذي كان يجب أن تكون أوَّل من يلتزم به ويحرص على تنفيذه، لأنها حتى ذلك العام كانت السادن للكعبة والمسؤول بين العرب عن جميع المشاعر التي يعظِّمها العرب في نسكهم، ومطلوب منها إعطاءَ كل التسهيلات لمن جاء راغبًا في زيارة البيت حتى ولو كان في حالة نزاع مسلَّح معها، ما دام أنه لم يأت محاربًا، لأن لمنطقة الحرم قدسية عند العرب تجعل من المحرَّم تحريمًا قاطعًا سفك أي دم وإنشاب أَيِّ حرب داخل حدوده، ذلك هو القانون والعرف السائد بين عرب الجزيرة منذ آلاف السنين.

ولكن قريشًا قد تملكها الغرور - بعد أن استبدَّ بها الغضب ونزا بها الحمق - فرمت بهذا العرف عرض الحائط حينها قررت (في إصرار) من النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من دخول مكة بالرغم من تبلغها أنهم لم يأتوا للحرب وإنما جاؤوا محرمين لزيارة البيت فحسب.

لقد اعتبرت قريش خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو مكة (وفي هذا العدد الكبير من أصحابه) بادرة خطيرة، أحسَّ سادات مكة أن فيها مساسًا بكرامتهم وخدشًا لكبريائهم الوثني، وأنه - بالنسبة للعرب أَجمعين - بمثابة الدليل العمل على ضعف قريش السياسي وانخفاض هيبتها العسكرية، وتضعضع دورها القيادي بين العرب.

كما اعتبرت قريش هذا التصرف من النبي - صلى الله عليه وسلم - ردًّا (في صورة التحدي) على ما قامت به من أعمال إرهابية ضده وضد القلة من أصحابه عندما كانوا في مكة، مما اضطرهم إلى مغادرتها هربًا مرغمين.

ولم يستطع النبي - صلى الله عليه وسلم - (منذ خرج مكة خائفًا يترقب بعد أن أهدرت قريش دمه وقررت الفتك به) ولا أحد من أصحابه الاقتراب من مكة فضلًا عن دخولها.

<<  <  ج: ص:  >  >>