قائد سلاح فرسانها خالد بن الوليد باعتراض سبيل المسلمين في الطريق ومحاولة الهجوم عليهم في عُسفان إن أَمكنه ذلك، وهو ما قام به خالد بن الوليد (فعلًا) كما تقدم، الأَمر الذي يعتبر (صراحة) عملًا حربيًّا تقوم به قريش (بغيًا وعدوانًا ضد المسلمين) مع كل هذا قرر النبي - صلى الله عليه وسلم - أَن يتحاشى الصدام المسلح مع خالد بن الوليد الذي قطع الطريق على المسلمين بخيله محاولًا استدراجهم إِلى الاشتباك معه وجرَّهم إلى خوض حرب ما جاؤوا لها ولا يرغبون فيها.
وقد كان قرار النبي هذا نابعًا من حرصه على حقن الدماء التي لا مبرر لإِراقتها وخاصة في تلك الظروف التي لم يأْت فيها لحرب وإنما جاءَ (فقط) زائرًا لبيت الله الحرام.
لذلك قرر أَن لا يمر (في طريقه إِلى مكة) بالطريق الرئيسي الذي سدَّه خالد بن الوليد بمائتين من الفرسان، والذي لا يمكن للنبي وأَصحابه أَن يمرُّوا به دون أَن يشتبكوا مع خالد وفرسانه في صدام مسلح.
لقد كان المفروض أَن يستمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأَصحابه في تحركهم من عسفان نحو الجنوب في اتجاه مكة (عبر التنعيم)(١) وهو الطريق الرئيسي المعتاد أَن يطرقه كل من يقصد مكة من المدينة.
ولكنه بناءً على القرار الذي اتخذه بتجنب الاشتباك مع فرسان خالد بن الوليد - وبالتالي بتجنب القتال مع قومه بصورة عامة، ما وجد إِلى ذلك سبيلًا - فقد قرر أَن يغيّر اتجاهه بحيث يمكنه المرور بأَصحابه
(١) التنعيم، قال في مراصد الاطلاع: (موضع بمكة خارج الحرم، وهو أدنى الحل إليها على طريق المدينة وهو على ثلاثة أميال عن مكة).