للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما رأَى الحليس الهدْي يسيل عليه بقلائده من عرض الوادي قد أَكل أَوباره من طول الحبس عن محله (أَي موضعه الذي ينحر فيه من الحرم) ورأَى المسلمين قد استقبلوه يلبّون وقد شعثوا من طول المكوث على إحرامهم .. صاح (مستنكرًا تصرُّف قريش): سبحان الله ما ينبغي لهؤلاءِ أَن يصدُّوا عن البيت.

أَبى الله إِلا أَن يحجّ لخّم وجُذَام ونَهد، وحِمير ويمنع ابن عبد المطلب.

ثم شدد نكيره على قريش قائلًا: هلكت قريش ورب الكعبة، إنما القوم (يعني المسلمين) أَتوا عمارًا.

فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَجل يا أَخا بني كنانة (١).

ودون أن يفاتح سيد بني كنانة النبي - صلى الله عليه وسلم - أو يفاوضه كما كلفته قريش، انصرف راجعًا إِعظامًا لما رأَى ومقتنعًا بأَن قريشًا غير محقة في تصرفها إِزاءَ المسلمين.

ولما عادل إِلى قريش قال لها: إِني قدر رأَيت ما لا يحل صده، رأَيت الهدْي في قلائده قد أَكل أَوباره، معكوفًا عن محله، والرجال قد تفلوا وقملوا أَن يطوفوا بهذا البيت! أَما والله ما على هذا حالفناكم، ولا عاقدناكم على أَن تصدُّوا عن بيت الله من جاءَ معظمًا لحرمته مؤديًا لحقه وساق الهدي معكوفًا أَن يبلغ محله (٢).

فغضبت قريش لصراحته، ورأَت في هذه الصراحة تقوية لحجة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإِسنادًا لمنطقه، لذلك قالت للحليس (ساخرة): اجلس إنما أَنت أَعرابي ولا علم لك (٣).


(١، ٢) السيرة الحلبية ج ٢ ص ١٣٧.
(٣) مغازي الواقدي ج ٢ ص ٦٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>