للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد عصمهم الله من هذا الأمر الخطير، فكظموا غيظهم وابتلعوا آلامهم فظلوا عند أوامر النبي - صلى الله عليه وسلم - القاضية بعدم محاربة المشركين .. والتزموا بها.

غير أن عمر بن الخطاب قام بمحاولة لقتل رئيس الوفد القرشي سهيل بن عمرو المشرك، دون أن يكون ذلك مخلًا بالتزامات النبي - صلى الله عليه وسلم - المنصوص عليها في معاهدة الصلح، وذلك بأن لجأ عمر إلى أبي جندل وأخذ يشجعه على قتل أبيه المشرك، ولكنَّ أبا جندل مع رغبته في ذلك أبلغ عمر بأنه كمسلم يلتزم بما التزم به نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -، لا يمكنه قتل سهيل، لأن ذلك يُعدّ خروجًا على أوامر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا ما لا يرغب فيه أبو جندل.

فقد ذكر المؤرخون أن عمر بن الخطاب - حين كان في شدة الانفعال - مشى إلى جنب أبي جندل، وأبوه يترّه ويدفعه، فقال: اصبر يا أبا جندل، فإنما هم مشركون، وإنما دم أحدهم دم كلب، وإنما هو رجل وأنت رجل ومعك السيف، قال عمر: فرجوت أن يأْخذ السيف ويضرب أباه، فضنَّ الرجل بأبيه. فقال عمر: يا أبا جندل: إن الرجل يقتل أباه في الله، والله لو أدركنا آباءنا لقتلناهم في الله (١)، فرجل برجل! قال: وأقبل أبو جندل على عمر فقال: ما لك لا تقتله أنت؟ قال عمر: نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتله وقتل غيره، قال عمر: فقال لي أبو جندل: ما أنت بأحق بطاعة رسول الله مني (٢).


(١) يجدر بالذكر هنا أن أبا عبيدة بن الجراح قتل أباه يوم بدر، كما قتل عمر بن الخطاب عمه كذلك.
(٢) سيرة ابن هشام ج ٢ ص ٣١٨، ومغازي الواقدي ج ٢ ص ٦٠٨، ٦٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>