للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مصاعب شديدة ومنوا بخسائر لا يستهان بها، لاحظ أحد القادة الكبار من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار (وهو الحباب بن المنذر)، لاحظ أن المكان الذي اتخذه النبي - صلى الله عليه وسلم - مقرًّا لقيادته غير صالح من الناحية (الاستراتيجية) فأشار على النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك بأن يتحول منه ويختار مكانًا غيره صالحًا لأن يكون مقرًا لقيادته.

فقد تفقد الحباب المكان فوجد أن حصون النطاة المراد مهاجمتها تقع على مرتفعات عالية، ووجد أن معسكر المسلمين مكشوف تمامًا أمام تلك الحصون (ومنها حصن ناعم) ولحظ أن نبال اليهود المصوّبة من الحصون تخالط المسلمين داخل معسكرهم، الأمر الذي جعل خمسين من المسلمين يصابون بجراح مختلفة. كما لاحظ أن معسكر الجيش يقع في منطقة موبوءة حيث النخيل ونزّ الماء (١)، فقد ذكر المؤرخون أن الحباب بن المنذر جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في اليوم الأول من القتال (وهو يهاجم حصن ناعم) فقال: يا رسول الله إنك نزلت منزلك هذا، فإن كان عن أمر أُمرت به فلا نتكلمَّ فيه، وإن كان الرأي تكلمنا.

فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: بل هو الرأي. فقال الحباب: يا رسول الله دنوت من الحصن ونزلت بين ظهرى النخل والنزّ مع أن أهل النطاة لي بهم معرفة، ليس قوم أبعد مدى سهم فهم ولا أعدل رمية فهم (أي أنهم مهرة في تصويب الرمي) وهم مرتفعون علينا، وهو أسرع لانحطاط نبلهم، مع أنى لا آمن من بياتهم (أي هجومهم في الليل)، يدخلون في خَمَر (٢) النخل، تحوَّل يا رسول الله إلى موضع برئ من النّز ومن الوباء، نجعل الحرّة بيننا وبينهم، حتى لا ينالنا نبلهم.

فاستصوب النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى الحباب بن المنذر قائلًا: لقد أشرت بالرأى، إذا أمسينا تحوّلنا (٣).


(١) النز: ما يتحلب من الأرض من الماء، قاله في الصحاح.
(٢) الخمر بفتح أوله وثانيه: كل ما سترك من شجر أو غيره (النهاية في غريب الحديث ج ١ ص ٣٢٠).
(٣) انظر السيرة الحلبية ج ٢ ص ١٥٨ ومغازى الواقدي ج ٢ ص ٦٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>