قال: إن بنات الملوك لا يعاملن معاملة غيرهن من بنات السّوقة.
ولما استشاره الفاروق: كيف تكون معاملتهن؟ قال: يقوّمن، ومهما بلغ ثمهن قام به من يختارهن .. فاستصوب الفاروق رأى علي، فقوّمن، فاشتراهن على ثم أعتقهن، فزوّج إحداهن ابنه الحسين، وزوّج الثانية محمد بن أبي بكر الصديق، وزوّج الثالثة عبد الله بن عمر بن الخطاب، وذلك تكريمًا لهن وجبرًا لخواطرهن، لأنهن عزيزات ذللن بعد عزة الملك، وقد سعدن بهذا الزواج سعادة أنستهن مآسى الماضي، وقد أنجب الحسين بن علي من ابنة كسرى ابنه على الملقب زين العابدين رضي الله عنهم أجمعين، فجميع فروع الدوحة الهاشمية الكريمة بعد علي بن الحسين قد أنجبتهم ابنة الملك كسرى، ولهذا لمّا تجادل هشام بن عبد الملك وزيد بن علي بن الحسين حول مطالبة زيد بالخلافة، قال له هشام: كيف تطمع أن تكون خليفة وأنت ابن أمة، فأجابه زيد: لقد نال ابن أمة ما هو أعلى من الخلافة: النبوة نالها إسماعيل وهو ابن أمة، فأفحم هشام ولم يتكلم.
وهكذا يتضح نبل القصد وشرف الغاية في كل عمل يعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام، كما تنكشف أمام أضواء هذه الحقيقة المشرقة الناصعة خبث نوايا وسوء مقاصد الذين يفسرون تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - من صفية ذلك التفسير المقصود به الطعن في مقام الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
فانظر كيف أعتق النبي - صلى الله عليه وسلم - صفية بنت ملك اليهود ومنحها مطلق الحرية لأن تبقى على دينها وتعود إلى عشيرتها اليهود وبين أن تدخل في الإِسلام وتكون زوجة له، ثم انظر كيف أكرم علي بن أبي طالب بنات الملك كسرى حيث أعتقهن وزوجهن أبناء أرفع الناس منزلة بعد رسول الله ومن هم (في نظر بنات كسرى من الناحية الاجتماعية) في درجة أبناء الملوك (علي بن الحسين وعبد الله بن عمر ومحمد بن أبي بكر) كلهم أبناء خلفاء، والخلفاء من زاوية النظرة الكسروية هم الملوك.
فهل يفهم الحاقدون على الإِسلام ونبي الإسلام وخلفاء الإِسلام هذه الحقائق المشرقة والمفاسد النبيلة السامية التي يحاولون طمسها بألوان قاتمة كالحة من الشكوك الباغية الظالمة؟ .