وفريق آخر قال: إن خيبر بشطريها فتحت عنوة ولم يفتح أي شيء منها صلحًا، وهذا هو الصحيح الذي يدل عليه سياق جمهرة المحدِّثين وأهل السيَر .. فكل حصون اليهود في خيبر (كما رأيت وكما سترى فيما يأتي إن شاء الله) فتحت بقوة السلاح وعن طريق الإِقتحام والإِلتحام ما عدا حصنين في الشطر الثاني من المدينة وهما (الوطيح والسلالم) استسلم أهلهما للمسلمين بعد حصار شديد وتهديد بالضرب بالمنجنيق، وقد استسلموا مقابل حقن دمائهم وإعفاء نسائهم وذراريهم من السبى، كما سيأتي تفصيله إن شاء الله، والاستسلام على هذه الصورة يعتبر استسلام بعد قتال وحصار فيدخل تحت حكم العنوة لا الصلح.
روى أبو داود عن ابن شهاب فقال: بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - افتتح خيبر عنوة بعد القتال ونزل من نزل من أهلها على الجلاء بعد القتال.
قال ابن عبد البر: هذا هو الصحيح في أرض خيبر، إنها كانت عنوة كلها مغلوبًا عليها، بخلاف فدك، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسم أراضيها على الغانمين لها الموجفين عليها بالخيل والركاب، وهم أهل الحديبية.
ولم يختلف العلماء: أن أرض خيبر مقسومة وإنما اختلفوا هل تقسم الأرض إذا غنمت البلاد، أو توقف؟ .
فقال الكوفيون: الإِمام مخير بين قسمتها، كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأرض خيبر، وبين إيقافها، كما فعل عمر بسواد العراق، وقال الشافعي: تقسم الأرض كلها كما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر، لأن الأرض غنيمة كسائر أموال الكفار، وذهب مالك إلى إيقافها اتباعًا لعمر، لأن الأرض مخصوصة من سائر الغنيمة بما فعل عمر في جماعة من الصحابة: من إيقافها لن يأتي بعده من المسلمين.
وروى مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر يقول: "لولا أن يترك آخر الناس لا شيء لهم ما افتتح المسلمون قرية إلا قسمتها سهمانا، كما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر سهمانا.
وهذا يدل على أن أرض خيبر قسمت كلها سهمانا، كما قال ابن