وتلك عادة المؤرخين والإِخباريين فيما يختص بتاريخ الشعوب والمدن التي كانت قبل الإِسلام بعهود طويلة، وخاصة إذا كانت خارج محيط جزيرة العرب.
فقد ذكر ياقوت في معجمه أن البعض يزعم أن تدمر مما بنته الجن لنبي الله سليمان بن داود (- عليه السلام -)، ويعقب ياقوت على هذا الزعم فيقول: . ولكن الناس إذا رأوا بناء عجيبًا جهلوا بانيه أضافوه إلى سليمان وإلى الجن ومن ناحية أخرى يزعم أهل تدمر أن بناء مدينتهم كان قبل نبي الله سليمان بأكثر مما بيننا وبين سليمان وقيل سميت "تدمر" باسم امرأة اسمها "تدمر بنت حسان بن أذينة بن السميدع بن نزيد بن عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح" ثمَّ يقول ياقوت وهي من عجائب الأبنية، موضوعة على العمد الرخام (١).
وهناك أقاويل كثيرة يذكرها الإِخباريون حول من الذي شيد هذه المدينة العظيمة "تدمر".
والذي لا خلاف فيه هو أن آثار تدمر العظيمة الباقية حتى اليوم تدل على قوة وعظمة الأمة التي قامت ببناء هذه المدينة.
ويدل فحص الخبراء المختصين لآثار تدمر على أن هذه المدينة قد بنيت وأسست قبل الميلاد بقرون طويلة، ويرجح أنها كانت منذ القرن السادس "قبل الميلاد" محطة للقوافل التجارية بين الشرق والغرب. وبين مناطق الشرق نفسها - جزيرة العرب والعراق وإيران ومصر والهند وآسيا الصغرى والحبشة أيضًا - إلا أنها لم تبلغ أوج مجدها السياسي والتجارى إلا في أوائل القرن الثالث للميلاد وحتى أواخر هذا القرن حيث قضى الإِمبراطور "أورليانوس" على مملكة تدمر التي بلغت عن العظمة والقوة إلى أن زحفت ملكتها الداهية الشجاعة زينوبيا (الزباء) بجيوشها فعبرت البوسفور وحاصرت القسطنطينية قاصدة احتلال روما نفسها فصمد لها الإِمبراطور المذكور، فأخرجها عن التراب الأوروبى، وما زال أمرها في تأخر. حتى تحصنت في عاصمتها "تدمر" ثمَّ استسلمت للرومان بعد حصار دام ثلاث سنوات، وبعد ضروب من الشجاعة والبسالة والثبات أذلت مجلس الشيوخ في روما. وجعلت