للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كثير من الاختلاف وشئ من التناقض. مع إجماعهم على حقيقة واحدة لا سبيل إلى الاختلاف فيها وهي أن الغساسنة قد استوطنوا الشام لعدة قرون من الزمن حتى جاء الله بالإِسلام وأن عدة ملوك منهم قد ملكوا الشام بعد الميلاد وقبل الإِسلام طوال عدة مئات من السنين.

ذلك أمر متفق عليه ولا خلاف فيه بين المؤرخين الإِسلاميين والغربيين الإِفرنج رغم اختلاف الفريقين في عدد ملوك الغساسنة وعدد السنين التي ظلوا فيها ملوكًا للشام. حيث يرى حمزة الأصفهانى أن عدد ملوكهم اثنان وثلاثون ملكًا ومدة ملكهم ستمائة سنة (١) بينما يرى المؤرخ الألمانى نولدكه أن ملوكهم لا يزيدون على عشرة ملوك حكموا الشام مدة تقل عن مائتى سنة (٢).

بينما يرى أبو الفداء في تاريخه من جهة أخرى أن ملكهم لم تزد مدته على ٤٠٠ أربعمائة سنة. ويرى المسعودى في مروج الذهب. أن ملوكهم لا يزيدون على عشرة. وهذا يتفق مع ما قاله الأستاذ الألمانى (نولدكه) وعند ابن قتيبة أنهم ١١ أحد عشر ملكًا، والجرجانى يقول إنهم (فقط) تسعة ملوك (٣).

كل هذا الاختلاف لا يؤثر في جوهر الحقيقة وهي أن الغساسنة كانوا ملوكًا للشام قبل الإِسلام لسنين طويلة. . والإِخباريون لهم العذر في هذا الاختلاف. لأنَّ تاريخ ما قبل الإِسلام إنما كانت مصادره مصادر أجنبية كالفارسية والرومانية والإِسرائيلية والسريانية. لذلك لم يكن تسجيل الإِخباريين لإِخبار ما قبل الإِسلام بالدقة التي كانت عليها بعد الإِسلام، حيث استحدث المسلمون أدق طريق للحصول على الأخبار الصحيحة وهي طريقة السند والرواية التي اعتمد عليها أئمة المؤرخين مثل ابن إسحاق والواقدى والطبرى وابن سعد الدين لا يقبلون من الأخبار إلا ما كان عن طريق من يثقون به.

أما كيف تواجد الغساسنة في الشام، فالمرجح - واستنادًا إلى البيئة التي كانوا عليها أنهم لم يأتوا إلى الشام كجيوش نظامية غازية فاتحة.


(١) تاريخ سنى ملوك الأرض والأنبياء ص ٩٩.
(٢) Noeldeke ٥٣.
(٣) انظر العرب قبل الإِسلام لجورجى زيدان ص ٢١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>