للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلدى اطلاع النبي - صلى الله عليه وسلم - على تفصيل الحادث وجد وجدًا شديدًا وأنب أسامة قائلًا: أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟

فقال أسامة (أثناء التحقيق): يا رسول الله إنما قالها تخوفًا من السلاح. فقال - صلى الله عليه وسلم - مكررًا ثانية: ألا شققت قلبه فتعلم صادق هو أم كاذب ثم قرأ قوله تعالى.: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} (١).

والواقع أن أسامة قد شعر بتأنيب الضمير وأنه قد ارتكب خطأ بقتله مرداس بن نهيك. فقد روى عنه أنه قال: لما طعنت مرداس برمحى فقتلته، وجدت من ذلك موجدة شديدة حتى ما أقدر على أكل الطعام حتى قدمت على رسول الله فقبلنى واعتنقنى. ولكنه لما علم بإقدام أسامة على قتل مرداس قال: اقتلتموه إرادة ما معه؟ ثم قرأ على أسامة قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} فقال أسامة استغفر لي يا رسول الله فقال - صلى الله عليه وسلم -: فكيف بلا إله إلا الله قال أسامة فما زال يكررها حتى وددت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ. ثم استغفر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن أدانه أنه قد قتل مؤمنًا خطأ وحكم عليه بأن يعتق رقبة مؤمنة كفارة عما ارتكب لأنه قتل رجلًا مؤمنًا عن إجتهاد خاطئ حيث ظنه مشركًا في حقيقة أمره وأنه إنما نطق بالشهادتين خوفًا من الموت وبعد أن أهوى إليه السيف.

وبهذه المناسبة روى الواقدي عن المقداد بن عمرو الكندى (٢) أنه قال: قلت يا رسول الله أرأيت رجلًا من الكفار يقاتلنى، وضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ منى بشجرة فقال: (أسلمت لله)، أقتله بعد أن قالها؟ (يعني الشهادتين) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تقتله. قال: فإني قتلته فماذا؟ قال: فإنه بمنزلتك التي كنت بها قبل أن تقتله، وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال (٣).


(١) النساء آية ٩٣.
(٢) انظر ترجمة المقداد بن الأسود في كتابنا (غزوة بدر الكبرى).
(٣) مغازى الواقدي ج ٢ ص ٧٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>