فاستوقفه الحارث فقال: لا، ما أقدر. والطلب خلفى. أصحاب محمد. وهو يركض. فقال الحارث بن عوف: أما لك بعد أن تبصر ما أنت عليه؟
إن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - قد وطئ البلاد وأنت موضع في غير شيء قال الحارث: فتنحيت عن سنن خيل محمد - صلى الله عليه وسلم - حتى أراهم ولا يروننى، فأقمت من حين زالت الشمس إلى الليل ما أرى أحدًا وما طلبوه إلا الرعب الذي في دخله قال: فلقيه بعد ذلك، فقال الحارث فلقد أقمت في موضع حتى الليل، ما رأيت من طلب. قال عيينة: هو ذاك، إني خفت الإِسار وكان أثرى عند محمد - صلى الله عليه وسلم - ما تعلم في غير موطن. قال الحارث: أيها الرجل، قد رأيت ورأينا معك أمرًا بينا في بني النضير، ويوم الخندق وقريظة، وقبل ذلك قينقاع، وفي خيبر، إنهم كانوا أعز يهود الحجاز كله يقرون لهم بالشجاعة والسخاء، وهم أهل حصون منيعة، وأهل نخل، والله إن كانت العرب لتلجأ إليهم فيمتنعون بهم. لقد سارت حارثة بن الأوس حيث كان بينهم وبين قومهم ما كان فامتنعوا بهم من الناس. ثم قد رأيت حيث نزل بهم كيف ذهبت تلك النجدة كيف أديل عليهم. فقال عيينة. هو والله ذاك، ولكن نفسي لا تقرنى. قال الحارث فادخل مع محمد - صلى الله عليه وسلم -. قال: أصير تابعًا. قد سبق قومى إليه فهم يزرون بمن جاء بعدهم. يقولون. شهدنا بدرا وغيرها. قال الحارث. وإنما هو على ما ترى. فلو تقدمنا إليه لكنا من علية أصحابه، قد بقى قومه بعدهم منه في موادعة وهو موقع بهم وقعة، وما وطئ له الأمر. قال عيينة: أرى والله فابتعدا يريدان الهجرة والقدوم على النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن مر بهما فروة بن هبيرة القشيري يريد العمرة وهما يتقاولان، فأخبراه بما كانا فيه وما يريدان. قال فروة: لو استأنيتم حتى تنظروا ما يصنع قومه في هذه المدة التي هم فيها وآتيكم بخبرهم فأخروا القدوم على الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومضى فروة حتى قدم مكة فتحسب من أخبارهم، فإذا القوم على عداوة النبي - صلى الله عليه وسلم -، لا يريدون أن يدخلوا طائعين أبدًا، فخبّرهم بما أوقع محمد بأهل خيابر. قال فروة: وقد تركت رؤساء الضاحية على مثل ما أنتم عليه من العداوة لمحمد. قالت قريش: فما الرأي؟ فأنت سيد أهل الوبر؟ نقضى هذه المدة التي بينكم وبينه (يعني مدة هدنة الحديبية) ونستجلب العرب ثم نغزوه في عقر داره.