للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأى أن مقابلة عناد قريش بعناد مثله (كما هو رأى الأغلبية من أصحابه) سيتسبب في إشعال نار حرب طاحنة ضارية داخل الحرم الآمن. لا مبرر لها ولا ضرورة.

لذلك قبل - صلى الله عليه وسلم - الحل الوسط الذي اقترحه وأملاه في وثيقة الصلح مندوب قريش ومفوضها الأول سهيل بن عمرو العامري (١) بالرغم من معارضة الأغلبية العظمى من الصحابة لقبول هذا الحل لأنهم رأوا أن في القبول بأكثر الشروط التي أملاها مندوب قريش في وثيقة صلح الحديبية -ومنها هذا الحل الوسط- دنيئة عليهم في دينهم "كما صرح بذلك الفاروق عمر أمام النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبدى في مجلس الرسول - صلى الله عليه وسلم - معارضته العنيفة للصلح".

والواقع أن الصحابة (رضي الله عنهم) ليسوا ملومين (كبشر عاديين) حينما صارحوا النبي الأعظم - صلى الله عليه وسلم - بانزعاجهم وامتعاضهم لقبول الحل الذي اقترحه مندوب قريش والذي يقضى بأن يعود النبي وأصحابه إلى المدينة ذلك العام (٦ هجرية) دون أن يقضوا مناسكهم. مع اقتدارهم (عسكريًا) على أن يقضوها إذا ما اعترضتهم قريش بالقوة.

كانوا غير ملومين -حين عارضوا الصلح كله لتضمنه تلك الشروط القاسية- (٢) لأنهم نظروا إليها من زاوية نظرة الإِنسان العادى (فهم بالنسبة لمنزلة النبي الأعظم عاديون) .. والإِنسان العادى (فعلًا) لكونه ذا فهم محدود .. إذا ما نظر إلى تلك الشروط التي أملاها مفوض قريش ومندوبها سهيل بن عمرو في مفاوضات الحديبية. وقبل بها النبي - صلى الله عليه وسلم - .. اتضح له (لأول وهلة) أنها تحمل الإِجحاف كل الإِجحاف بحق المسلمين.

إذ (مثلًا) كيف تطاوع المسلمين أنفسهم أن يقبلوا أن يصدهم المشركون عن البيت وقد وصلوا حدود الحرم. ثم يعودوا دون أن يقضوا مناسك العمرة التي قطعوا مئات الأميال لأدائها. مع اقتدارهم (عسكريًا) على أن يقضوا هذه المناسك إذا ما اعترضتهم قريش وحاولت منعهم بالقوة؟ ؟ .


(١) انظر ترجمة سهيل بن عمرو. هذا في كتابنا (غزوة بدر الكبرى)
(٢) انظر تفاصيل هذه الشروط في كتابنا الخامس (صلح الحديبية).

<<  <  ج: ص:  >  >>