فقد كانت هذه الدعوة (حتى) صلح الحديبية مقتصرة (في تحركاتها السلمية ومعاركها الحربية) على مناطق محدودة من هذه الجزيرة الشاسعة هي مناطق بعض القبائل النجدية الواقعة شرقي المدينة ومنطقة الحجاز الوسطى والغربية بصفة رئيسية .. فقد كان الصراع بين الإِسلام والوثنية (حتى صلح الحديبية) إنما كان يدور بين النبي - صلى الله عليه وسلم - من جهة، وبين قريش في منطقة الحجاز وقبائل غطفان في الشريط الغربي من منطقة نجد الشاسعة من جهة أخرى. بالإِضافة إلى القيام ببعض الدوريات الاستطلاعية على نطاق ضيق في مناطق مبعثرة في الشمال وبعض مناطق الحجاز الشرقية فقط.
أما بعد صلح الحديبية. وبعد القضاء على أقوى قوة مسلحة للمستعمرين اليهود في خيبر (آخر معقل لهؤلاء الدخلاء). فقد اتسع نشاط الدعوة الإِسلامية وازدادت فعالية حركاتها بشكل ملحوظ (سواء على صعيد التبليغ والإِنذار. أم على صعيد الحرب والقتال).
فبعد عقد صلح الحديبية لم يبق أمير أو ملك داخل الجزيرة العربية وخارجها في الشرق الأوسط إلا وتلقى من النبي - صلى الله عليه وسلم - كتابًا يدعوه فيه إلى الإِسلام. ويحذره من مغبة رفض الاستجابة لداعى الله.
ولهذا يمكن القول: إن الكتب التي بعث بها الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى ملوك وأمراء الشرق الأوسط كانت البداية التي هزت عروش وكراسى الملوك والأمراء الذين استكبروا فرفضوا دعوة الحق انتهت هذه البداية بما تعرضت له المناطق والممالك التي يحكمها هؤلاء الملوك والأمراء من أحداث خطيرة على يد الفاتحين المسلمين غيرت مجرى التاريخ كله لا في الشرق الأوسط فحسب بل في العالم كله. على عهد الخلفاء الراشدين ومن أتى بعدهم من خلفاء وملوك الإِسلام الذين وصلت طلائع جبوشهم إلى قلب فرنسا وأبواب مدينة فيينا في النمسا ووارسو في الغرب وخليج البنغال وقلب الصين وأواسط روسيا في الشرق.